حقيبة وتذكرة سفر 2

حقيبة.. وتذكرة سفر (2)

حقيبة.. وتذكرة سفر (2)

 صوت الإمارات -

حقيبة وتذكرة سفر 2

بقلم - ناصر الظاهري

رحلة هونج كونج الثانية، رأيت فيها وجهها الزجاجي، ولمعان واجهاتها التجارية، كانت تجمعني بثلاثة أشخاص، واحد «فروق» خوّاف، وواحد «خكاك» (مدّعي)، وواحد «برصيص» بخيل مغتر، أما الأول فيخاف من ظلته، والثاني يوهم الآخرين بعكس ما يكون حاله عليه، أما الثالث فهو بخيل، ويناجي الفلس قبل أن يودعه بدموع غزار، وكل واحد منّا أخذ نصيبه من طبيعته، وظلت تلك الطائرة تتلاعب فينا، وتخض أكبادنا، حيث مرت الرحلة على «الفروق» كدهر لا ينقضي، حاولنا أن نقنعه في لحظة كنا نرى فيها عينيه تبرق ثم تهمد، أن المطبات الهوائية مسألة عادية جداً أثناء الطيران، وقبل أن نختم تلك الجملة هوت بنا الطائرة لقرار سحيق، فخرج صوته مبحوحاً، ولو قدر ساعتها أن يجاري النساء والفتيات في صريخهن لفعل، كان يلجأ للدعاء مرة، ومرة يخرج عن ملة الدين بالدعاء علينا، ومرات يكيل التهم على الطيار، ومساعده الذي لا يفعل شيئاً عادة، وإذا أردنا أن نزيد من غليانه قلنا له: إن هونج كونج محاطة بمياه محيطات يغطيها الضباب، وهو لا يجيد السباحة إلا في ماء الشريعة شبه الجاري، فيسلم أن نهايته قد قربت، ويكاد أن يوصي بمكان الدفن، فنرد عليه أن هونج كونج مساحتها محدودة جداً، ولا يدفنون فيها ميتاً، بل يشبّون تحته جهنم الحمراء حتى يصبح رماداً.

أما «الخكاك» فكان يتصنع الشجاعة، لكن في هبوط الطائرة والاهتزازات العنيفة كان يعاني وبصمت، والبسمة كانت تخرج مُرّة، والضحكة متقطعة ولا تبشر عنده بخير، وفي المدينة وقبل أن يأوي إلى سريره كان يسرد علينا بطولات النهار، وشجاعة آخر الليل، وينسى أنه كان ملازماً لنا في التجوال، ومرة اتفقنا أن نغيبه، ونتوارى عن أنظاره في غفلة منه، فتجمد مكانه، وظل يتلفت، ونسى الجمل الإنجليزية المفيدة، وخجل أن يحادث المارة من الرجال، أما النساء فيغص لمرآهن، وتظهر منه الكلمات مع تأتأة، وحين يتخلص من الموقف النسائي، تسمع منه أجمل الحكايات بطلاقة لسان، وزهو فحولي، ظل صاحبنا كالمصاب بـ«حكر.. بقر» خائفاً أن يتقدم خطوة.

أما «البرصيص» والذي كان أكله مثل النساك، أو كالذي ينام على الطوى كما يقول العرب، فبعد جولاتنا الأولى في المدينة، حلفنا له بأيمان لا يساورها الشك أننا كنا ضحية سرقة وابتزاز، والآن لا نقود ولا «كروت»، ورادّين الشأن في الله ثم فيه، فـ«يورط» ورقصت تفاحة آدم في «يرعبته» وقال: «خيبة.. ياك الموت يا تارك الصلاة، أنا فلوسي على قدي، وهبابها تكفيني، وأنتم واحد «فروق» ولا يطرد خوفه إلا الأكل، والثاني «خكاك» يمكن يعزم الشارع على حساب غيره، وأنا تعرفوني أصوم الاثنين والخميس وناذر من البلاد إن بلغت هالديار أكمل الأسبوع صيام الشكر»، أما الرابع فتعرفونه جيداً يظل يتفرج، ثم يصبح فجأة أباً للأيتام!

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

نقلا عن صحيفة الأتحاد 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقيبة وتذكرة سفر 2 حقيبة وتذكرة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"

GMT 08:22 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

لاعبة ترفض الوقوف حدادا على مارادونا بسبب "أفعاله"

GMT 18:44 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

مصر.. اقتراح قانون في البرلمان لتجريم زواج القاصرات

GMT 14:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الرئيس الجزائري يُقيل رئيس "سوناطراك"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates