تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة وحقيبة سفر -1-

تذكرة وحقيبة سفر -1-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري


زرت بيروت لأول مرة عام 1977، يومها كانت في أتون الخراب، وحده أبي كان سبقني إليها في عصرها الذهبي، وعرف نعيمها، بعدها تكررت الزيارات حتى نسيت العد، بيروت إن كنت تحبها، فلا تعد أقداحها، بيروت الجميلة والمتألقة على الدوام، بيروت صباحات من ندى ونسائم تعرف طرقها للنفس، وتصاعدها للرأس نشوة وسُكراً، وتداعيات الروح، بيروت مساءات من ضوع للماكثات قبالة العين تسرق من حُسنهن حُسناً، بيروت وكم مرة كنت في بيروت، وقلت: آه يا بيروت، آه.. فرحاً بها، وما تحضّك عليه من أمر الكتابة، وفعل الغواية باتجاه الحرف والحب وما يمكن أن يسطروا، وآه.. منها لأنها تستولي عليك، وقلما تسمح لك بالمغامرة لجهة أخرى صوب الحلم والسفر وبحر غير بحرها، الآن أتذكرها، وأتذكر صباحات أتمناها ليتها تبقى، هذه المدينة وحدها التي تبكي الآخرين على حالها، وطقوس حياتها:
- صباح التفاصيل الصغيرة حول أماكن دافئة في «الحمرا»، صباح اللقمة البسيطة، «منؤوشة جبن وزعتر من سناك حماده»، الشاي الأحمر الذي يصنعه «عبد» على عجل، والذي يشبه شاي العمال الفجري، ضحكة «مريان» التي تخبئها لك خلف الباب، تلك «مريان» قبل أن تتزوج، ويخبئها الرجل الجديد والأولاد عنا، مكتب جريدة الاتحاد في بناية «صباغ»، بجانب مقهى «الأكسبرس» سابقاً، «بيتزا هت» حالياً، موقف السيارات المكتظ، وتلك الصعدة التي تحتاج إلى مهارة سائق متمرس، لا بنت بيروتية تحاول ألا تزعج دوّاسة سيارتها النسائية، ولا تؤذي حذاءها ذا الكعب الرنّان، الوجوه التي تستقبلك في خاصرة «شارع الحمرا»، صاحب كشك الكتب الذي نزعوه من زاويته، وركنه المقابل للـ«ومبي» حيث شهد أحداث بيروت، واجتياحها، ووقفة العز أيامها، واليوم، كما غاب كشك بائع الكتب، غاب الـ«ومبي»، وغاب مقهى الـ«مودكا» حيث كان يمكنك أن تسمع ثرثرات مثقفي بيروت، من فنانين وصحفيين وسياسيين وبحّارة مغادرين، يمكنك سماع بوح صعاليكها وزوارها وأخبارها، ودخانها، بعدها تحولات تلك المعالم التي تحتفظ بذاكرة المكان إلى «بوتيكات» باردة، تقترح أشكال ملابس لأناس قليلاً ما يأتون، وإن أتوا لا يشترون، تنازلت بيروت عن أناقتها الباريسية والإيطالية لصالح ثقافة «الكاجوال اغسل والبس» الأميركية، في «شارع الحمرا» تذكر صباحات ماسح الأحذية العراقي بعينه الكريمة، تلك التي يبصر بها وحدها، ويقول لك: فردة شمال، تلك التي يعرف أن يمسحها، فوحدها التي تراها العين الميتة حين يجثو الرأس، ويقارب موطئ القدم، الأخرس بائع اليانصيب، تتفاءل به، وبعافيته، لكنه لا يربّحك مرة، لتعطيه ما تعده به دائماً، البنك المرابي المختبئ منذ ويلات الحرب، لا يخصه إلا مال التحويلات، لقد بقي ذلك البنك قابعاً في زاويته في الطابق المسروق، يئن من رطوبة لا تزول حتى بعد أن عادت المدينة لرشدها، وأسكتت أصوات الرصاص، فضل أن يبقى مختبئاً يمارس الربا بحرفته القديمة، لا يملك جهازاً كمبيوترياً، ولا آلة للسحب النقدي، ولا يعترف ببطاقة ائتمان، ما زال الخيط الأحمر يربط أوراق ملفات زبائنه.
- صباح الصديق المشتكي دائماً من أوجاع لا تخف، أوجاع آنية، وأخرى متوقعة، وأخرى مقترحة، مثل يتيم يئن وحده في مدينته، أوجاع الصحافة، وأثقال العائلة، ورسوم المدارس، وأعطال سيارته، وطلبات زوجته، وسفرات مديره المتكررة لبيروت، والأوامر المستعجلة التي تأتيه بشكل مفاجئ من أهل الخليج، وكثرة مشاريعهم المتسرعة خلال سفراتهم، كأولئك الذين يريدون أن يبنوا قصوراً في مصايف لبنان.. وغداً نكمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates