وسائط التباعد الاجتماعي

وسائط التباعد الاجتماعي

وسائط التباعد الاجتماعي

 صوت الإمارات -

وسائط التباعد الاجتماعي

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

لمَ انتقل السباب والشتائم من الشارع إلى وسائط التواصل الاجتماعي العربي التي كان من الأجدر تسميتها وسائط التباعد الاجتماعي نتيجة ما تسببه من خلاف وتباغض وتناوش؟ لمَ الغوغاء والدهماء نقلوا لغتهم السوقية وثقافة مكانهم، وأدخلوها معهم إلى الوسائط الاجتماعية التي كان ينبغي أن تخدم الناس والمجتمعات، وتسهّل التواصل، وخلق شبكات من العلاقات الإنسانية الرفيعة؟

اليوم الكل متأثر - إلا من رحم ربي- بما يدور فيها من سفاسف الأمور، وصغائر الأشياء، وباللغة الشتائمية السائدة، ولم يترفع الكبار، بل سعوا سعي الصغار، لأنها طريقة سريعة لجر المتابعين، وإحراز أصوات المعجبين، وبالتالي أصبح كل واحد فاتحاً دكاناً على حسابه، ولا يبيع فيه غير الشتائم والسباب واللعان، وقد عجبت من أحدهم يستهل يومه بذكر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويتقول في نهار رمضان على فلان كلاماً لم يقله مالك في الخمر، ويرمي بشرر الأعراض، وسير الناس حتى يزبد من العطش وجفاف الحلق، لا أدري لم أشعرني هذا المخلوق الذي لم يصلّ على النبي منذ سنين، أنه أشبه بـ «درام» البلدية المنسي منذ خمسة أيام.

ولو حاولت أن تكون مترفعاً، ومفيداً على المنصات الافتراضية، ولا تقول إلا الخير أو تصمت، فلن يتابعك إلا أصدقاؤك، وممن ظلوا محافظين يلتمسون المنفعة، ويبتعدون عن المذمة، ولن يلعلع حسابك، ولن تفتخر بمئات الآلاف من المعجبين المتابعين اللاهثين، ولن تجد قناة تلفزيونية تتبناك، وتعطيك برنامجاً يساهم كثيراً في التفاهة، ويجعلها متسيدة بزبدها على ما ينفع الناس.

وقد حاولت أن أتابع بعض الحسابات الأجنبية بلغات مختلفة، ومن ثقافات مختلفة، ومن أعمار مختلفة لكي أتيقن أننا نحن فقط نعيش حالتنا الضبابية، أو أن هناك شعوباً أخرى تشبهنا ونشبهها، ساعتها أجد لهؤلاء المتنطعين على وسائط التواصل الاجتماعي عذراً في السائد فنعذرهم، فلم أجد أحداً في الثقافة الإسبانية من الذين تابعتهم مختصاً بسب الوالدين ووالدي والديهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولا الإنجليز الذين يناقشون كل شيء، ولا يتورعون عن ذكر كل شيء، ولا يخجلون من أي شيء، فيهم تلك السذاجة المقيتة، والتفاهة القاتلة التي تجعلهم يعيشون يومهم فيما قيل عن فلان، وما يمكن أن يقال عن فلانة، أو يتبرعون أن يدافعوا عن الشيطان، ويبرروا له أفعاله، وأن الحياة الحقّة لا تقتصر على رذائل الأمور، أما الفرنسيون الذين لعبهم على المكشوف، ولا يعجبهم العجب، ولا يفرحون إلا لبني جلدتهم، والمتحدثين بلسانهم، لكنهم يجدون في كل شيء ثقافة ومعرفة تفيد، ويمكن أن تستنطق، حتى العري الذي يقرأونه مثل أوراق خريف صفراء تسحبها الريح، وأن في الطبيعة ثمة موسيقى من نوع آخر، وأن هناك وقتاً لتلك الأسئلة الكونية الرهيبة، والوجودية الصعبة، وأن الحياة تستحق أن تعرف لكي تعاش بطريقة أجمل، وأن التافه من الأمور يمكن يمر عليه الإنسان، ولا يتوقف عنده لكيلا يتلوث.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وسائط التباعد الاجتماعي وسائط التباعد الاجتماعي



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates