بقلم : ناصر الظاهري
إسماعيل، ولد «أبو الخير» الدارس في أميركا، هو أول من أدخل كلمة «الإستراتيجية» عندنا، بل إنها سبقته قبل أن يتمم دراسته، من خلال رسالة كان يقرأها «أبو الخير» على الشواب، ويومها ضحكوا كثيراً، وتعجبوا أكثر، وكل واحد عرّف «استراتيجية» إسماعيل، أحدهم قال: «إنها حرمته»، وأحد قال: «هذه سيارة ولاياتي طرز جديد»، آخر قال: «هاي ماكينة تطحن الحَبّ، شروا رحى أبليس اللي يابوها الإنجليز»، واحد منهم ممن اشتغل في الظنّة وداس، قال، باعتباره أكثرهم فهماً: «هاي مثل الزَلّ، يفرشونه، ويمشون عليه، يوم يلّفُونك الضيوف الكبار»، وحده أبو الخير ظل يتفكر غير مقتنع بمعنى استراتيجية ابنه.
عاد إسماعيل، وفرح أبو الخير، وأولم للناس كأنه عرس بكره، إسماعيل كان متذمراً، ولا يريد تلك المظهرية، وقال: كان يكفي أن تعمل لهم قهوة و«كيك»، وظل طوال أيامه الأولى شبه صامت، وجافل من أشيائه القديمة، ويتأمل الفراغ، عذروه الناس في البداية، على اعتبار أنه يفكر ماذا يعمل بالإستراتيجية التي جاء بها من أميركا؟ حتى أن «أبو الخير» خشي أن يستعجل ويطلب منه أن يظهر إستراتيجيته فوراً، وأمه زبيدة اطمئن قلبها أن استراتيجية ابنها ليست واحدة أميركية حمراء.
حتى أقنع إسماعيل أباه باستراتيجيته الجديد، وأنها ستخفف عليه ساعات عمله، وستزيد من أرباحه، وتطور تجارته، احتاج لوقت، وكاد ينفذ صبره، فخاف «أبو الخير» من أن هذه الاستراتيجية، ربما أرجعت إسماعيل مرة أخرى لأميركا، فاختزل جوابه، وقراره لابنه: أن التجارة اليوم في يده، وأنه كبر، لكن الأفضل أن يبدأ بإستراتيجية رخيصة، ولا تكلف مالاً باهظاً، ضحك إسماعيل، وقبّل رأس أبيه.
بدأ إسماعيل باستراتيجيته سراعاً، فقلَب حال الدكان ببناء حديدي، وألبسه زجاجاً، واقتص له مكاتب، وزيّنه بألوان لم يعرفها الناس، وبلوحة متراقصة تضاء بـ «النيون»، أخفت معها اللوحة الخشبية المتقشرة، واسم دكان «أبو الخير» القديم، وأدخلت استراتيجية إسماعيل نساء من شمع لابسات الجديد، وواقفات ينظرن للعابرين من خلال الزجاج، أما الدكان الملحق بالبيت، فتركه بما فيه، وكأنه مخزن لسفينة مكَهَنة، وأبقى حارسا له ابن خالة «أبو الخير» العجوز.
حين يدخل «حفيز أبو الخير، وولده إسماعيل»-هكذا سيسميه الناس - يقول «أبو الخير»: رأسي يدور، ويقبضني لواع، وزواع، وما أشوف في هـ «الحفيز» بضاعة، ولا تجوري، ولا أوادم، إلا استراتيجية، ونسوان مركّزة».
يخرج «أبو الخير» كما دخل مرتبكاً، أمام الأبواب الزجاجية المتوهجة، وهو يهاوع، ويتمتم: «هاي.. استراتيجية إسماعيلوه التي تخليك ما تعرف باب الحَدّرَة من الخَرّجَة»!