بقلم - ناصر الظاهري
الخيمة الكبيرة في كل المدن العربية بالأمس كانت تشتعل بالأخضر، وحُب ذلك القَسَم المرعد الذي حفظناه صغاراً، وقد تسرب لنا من خلال ذاك الوعي العربي، وحب بلاد العرب أوطاني، كانت خياماً نصبت في كل عواصم العرب والعواصم الأوروبية بغية التتويج بذلك الفرح العربي الذي كثيراً ما يتأخر، وكثيراً لا يأتي رغم صبر الانتظار، ورغم دموع الصلوات، مقاتلو الصحراء، فرسان الأطلس، أسود الجزائر فعلوها، وعلقوا تلك الابتسامة الغائبة على كل بيت عربي، وأبهجوا الناس منتزعين لهم بارقة أمل عربي مضيء، لا أعرف لِمَ الآخرون يحزنهم أن يكون للعرب فرح جماعي؟ ولِمَ دائماً ما ينقصون من بهجتنا الممتدة من الماء إلى الماء؟ نصيحة في ساعة الفرح اطردوا الدخلاء، وفي ساعة الحزن اطردوا الجهلاء، لأن الدخلاء يلطخون الفرح الأبيض الطاهر، والجهلاء يعطلون التفكير الأخضر من أجل حياة قادمة أخْيَر، شكراً للجزائر التي أهدتنا فرحاً بارداً على قلوبنا هذا الصيف!
- لأن بعض الكبار رفضوا العصرنة الجديدة في حياتهم، وفضلوا وتيرة الأيام الجميلة التي عاشوها بعيداً عن لعنة التكنولوجيا كما يقولون، وبعيداً عن كل تلك التعقيدات التي تفرضها سرعة الوقت، وتحول المعدن إلى شيء طاغ في حياتنا، أراحوا أرجلهم من مسافات اللهاث، خاصة الذين تعدوا السبعين، فما عادت أقدامهم تسعفهم في مجاراة إيقاع اليوم، لذا فضلوا الانزواء في ركن هادئ أو بالقرب من ظل بارد، وأخلصوا ليومهم الذي يعرفون، المشي باكراً مقتنصين بسمة الصباح الفجرية، الاستراحة على ذاك المقعد الخشبي في الحديقة العامة مع كتاب، قراءة نصف الصحيفة الورقية مع فنجان قهوة وأعواد سيجارة مع صديق، متعة العودة بشيء إلى البيت، وتناول وجبة مع التي كبرت مع البيت، والقيلولة الجميلة في هذا العمر، أما المساء فله رائحة أخرى، وعطر جديد، هكذا تخيلت الأيام الأخيرة لذلك المستشرق الروسي الكبير، والمترجم الذي يجيد العربية كأفضل أبنائها، والذي نقل أجمل الروايات والقصص العربية إلى الروسية، وكتباً أخرى، الصديق الدكتور «فلاديمير شاغال» الذي غاب في صمت، ولم أدرك سر الاختفاء منذ عامين ويزيد، حتى عرفت أنه غادرنا عن عمر يناهز التسعين، لا يشكو إلا من العافية، وحب الناس، والإخلاص للمهنة والعمل، هناك أناس تلتقيهم، فلا يغادرونك، تعرفهم، فلا يبرحون ذاكرتك، «فلاديمير شاغال» كان واحداً منهم!