بقلم - ناصر الظاهري
هي بعض من بقية تلك القصاصات التي دونتها على عجل في مدن مختلفة، ربما على ورقة «كلينكس» فاتورة مطعم، ورقة مدفوعات بـ «الكرت»، ورقة منّسلة من دفتر صغير تضعه الفنادق عادة على الطاولة بجانب الرأس:
- في بدايات الثمانينيات، ومع السفرات الأولى نحو أوروبا كنت دائماً أبحث عن «ويمبي»، معتقداً أن الإنجليز هم أول من جلب ذاك المحل الذي يقدم الأكل السريع من بلادهم، لا زلت أتذكر في السبعينيات لما فتح «ومبي» أول مرة في شارع حمدان، وعرفنا أول مرة الـ«همبرغر»، بتركيبته الخاصة «بيض ولحم وجبن وبطاطا وخبر مدور بالسمسم»، يومها فرحنا كثيراً، وبعضنا من إخلاصه لحلمه به طوال الليل، يُصبّح عند «ومبي»، وهو لم يفتح بعد، ونظل نتواصى بأكله، ويوم ما نروح العين نخبر ربعنا عن أكل ما قد عرفناه، بس طيّب، لذا بعضهم جاء مخصوصاً لكي يجرب، ويأكل من «ذبيحة الإنجليز» كما كنا نقول: «اللي عليها «علي ولّم» مقلاي، غير نامونه، وتقول جماعتنا يخلون شيئاً في ذلك الصحن، يموصونه بـ «كاتشب»، هيه الكاتشب في ذيك السنين عجبة، بس.. تقولي ما فرحنا هذاك الأيام، يا الله، أصلاً نص هالغزوز من ربى ذاك الوقت»! لذا بقيت أسأل عن «ويمبي» في لندن وفرنسا والنمسا وإسبانيا، حتى أيقنت أنه شغل «أميركاني»، ولا نعرف من أتى به، وكيف أتى به إلى أبوظبي في تلك السنين الممحلة؟ لكنه كان لذيذاً بالنسبة لصغار لا يعرفون إلا صحن واحد منه غداهم وعشاؤهم!
- «ترافقت مع صديقين تركي وفلبيني في سفرة، وشغلا رأسي من كثرة التفكير في المقارنة بينهما، حتى غدت سلوتي الوحيدة، واستنتجت من تلك الرحلة أنه لا يتواسى الفلبيني مع التركي بأي حال من الأحوال، ولو عملنا شيئاً من المقاربة بينهما، ستظهر الفروق المتباينة، الفلبيني يقبل الأشياء باريحية، وعمله كله مدرج بشهادة، وتدريب، وخبرة أيام، الآخر رأسه يابس، وما عليه من شيء، وشغله شغل قُوّ وضرابة، ولو تشوفهم حينما يجلسان في المقهى، التركي شنبات، وقمصان رجولية، بنية، ورمادية مخططة، والفلبيني جاي بنعال زنوبة بلاستيك، وفانيلة عارية الأكتاف، وهاف يظهر الركبة، ومصيف بدري، التركي مرفوق عليه ُيظهر ّركبته أمام الغُرب، التركي يهفّ مشاوي لحم، ومرضام خبز، والفلبيني أشياء مقلاّية، ودائماً دجاج، ويحسو بطبق من الحساء، التركي يتم يبرم شواربه، تقول يتوعد جارية من السبي، والفلبيني الشنب طاير، وسلاسل في اليد والعنق، ويريد أن يهاجر مع البحارة الأميركان، التركي يعمل في معامل الحديد، ويصب الخرسانة، والفلبيني في تصميم أشياء خفيفة للنساء، وما يفرح الليل، التركي لو تقول له نص الليل بنرقى جبلاً، لسابقك، وغلبك، والفلبيني ما عنده غير تلك الجملة الكسولة: «سير.. أيم تايرد سير»!