بقلم : ناصر الظاهري
في مقهى أزرق ليلي، مطل على البوسفور، جلست مع ابنتي، حيث يتفرد المقهى بعرض أفلام شارلي شابلن بطريقة مائية، في ذاك المقهى تجد عجوزاً يقهقه فجأة بصوت عالٍ، وتجد فتاة تخرج ضحكة خجولة تداريها بيدها، أو سيدة تكتشف فجأة أنها خرجت عن وقارها أمام الناس، والسبب في ذلك الشريط المائي بالأبيض والأسود، وتلك السينما الصامتة ذات الحركة السريعة، أما ابنتي فقد أضحكها شابلن ليلتها، رغم الفارق العمري لأكثر من قرن بينهما، متسائلة عن سر تلك الضحكة التي لا تتقادم، والتي يمكن أن تخزن لسنوات طوال دون أن تتعطل، وأن حضور شابلن في كل الأزمنة، ولكل الأجناس، والفئات العمرية، وبدأت أروى بأسئلتها «اليابانية» التي لا تتوقف، هل هو حقيقي؟ لماذا إذاً لا يتكلم؟ من هي زوجته؟ وهل عنده بنت؟ كم عمره الآن؟
جلسنا بحضور العم «غوغل» نستعيد سيرة هذا الفنان المضحك الباكي والحكيم، والذي لا يعرفه الكثير من الناس إلا من خلال الشريط السينمائي بالأبيض والأسود، «شارلي شابلن» قال مرة نكتة أمام الحضور، فضحك الجميع، وأعادها مره ثانية، فضحك البعض فقط، ولما أعادها للمرة الثالثة، لم يضحك أحد، بعدها لخص حكمته، قائلاً:
«إذا لم تستطع أن تضحك، وتضحك لنفس النكتة، فلماذا تبكي وتبكي لنفس الهم والمصاب؟ لذلك استمتع بكل لحظة في حياتك».
لقد مرت الذكرى (125) لشارلي شابلن، وتذكره العالم الحزين بحروبه واحترابه وخلافه واختلافاته، وتذكروا بعضاً من حكمه:
- «لا يوجد شيء دائم في هذه الحياة، حتى مشاكلنا».
- «أحب المشي تحت المطر، لأنه لا أحد يرى دموعي».
- «أكثر يوم تضيعه في حياتك، هو اليوم الذي لا تضحك فيه».
لقد عاش فقيراً ومشرداً، وسكن في بيت الأيتام، ولم يتعلم كثيراً، وحينما أنتج أفلامه عن الفقر، كان وقتها مليونيراً، ويكره الفقر وسيرته، ولم يكن يريد الرجوع للفقر بعد ما ودعه، والمرة الوحيدة حين دخل بيتاً بائساً فقيراً، كان حينما زار «المهاتما غاندي» في بيته، كان يقول: إن الفقر عدو الإنسانية الأول، وإن الثروة هي من جعلته يعرف الحياة ويتعرف إلى العالم بطريقة صحيحة، هو ابن ممثل سكير، وأم مجنونة، إنجليزي المولد، ورفض الجنسية الأميركية، وعاش في سويسرا، وورث لأبنائه المال والموهبة والحزن أيضاً، عاش طويلاً مع ماله وأحزانه (1889 - 1977)، لم تقدر بريطانيا أن تكرمه خوفاً من أميركا التي كانت تعده شيوعياً، خاصة بعد فيلمه «الأزمنة الحديثة» الذي ينتقد فيه الرأسمالية، لكن ملكة بريطانيا وبعد عشرين عاماً، كرمته قبل وفاته بأشهر، تاركاً الحياة تتذكره فتضحك، ولا تعرف عمق أحزانه!