في مسألة الفقد

في مسألة الفقد

في مسألة الفقد

 صوت الإمارات -

في مسألة الفقد

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري


في الحزن الثقيل.. تصبح الأشياء مغبشة في العين، تصعب عليك أشياء كثيرة، وتتساوى عندك أشياء كثيرة، وتكون المدن التي ضمتكما وأحببتما؛ بيروت وأبوظبي مثل أم ثكلى معتزلة لبكائها ونشيجها غير المنقطع، وهي المدن التي لا يليق بها إلا الفرح، ورونق الحياة الملون، أبوظبي التي تحب الجميع كأبنائها، وتدخل السَكَن إلى نفوس الجميع كأبنائها، لا تفرق أبداً، ها هي تتذكرك اليوم، مثل أول يوم لك فيها قبل ثمانية عشر عاماً، وبيروت التي أجبرت أن تتنازل عن الفرح، لترضى بالسواد والرماد، وتوديع أبنائها إلى منافيهم الباردة أو قبورهم الزرقاء من الظلام، هي اليوم تحتضن رفاتك كبحار فينيقي عاف السفر والبحر والترحال.
هكذا تسلل إلينا خبر رحيل صديق وزميل وإنسان نبيل، «غسان حبّال» الذي رحل دون أن يلقي تحية الوداع على كل من عرفه، وعرف جميله وكثير إحسانه، حتى قبلة مرسلة بطريقة إلكترونية في زمن الحظر والوباء، لم يقدر أن يودعها بريده الذي بقي صامتاً لأيام، شبيهاً بأن يلقى الإنسان حتفه في كوخ يتطرف غابة حرجية، لا تعرف وجه الشمس، ولا تسمع دبيب الأقدام، غير خطوات صديق هرم جرّ قدميه بتثاقل، يريد أن يسأل عن صديقه القابع في كوخه منذ أيام، ولم يسمع سعلته.
أعرف مدى فداحة فقد عزيز، وأعرف مدى أن يهز الإنسان خبر وداع غال وجميل، وأعرف مدى الوجع حين يفقد الصديق صديقه، وجليس الليالي الذاهبة في الوجع، وقلب ظهر المجن، وسقوط أقنعة وجوهه، كانت قبل أيام تصبّح، وتغمرك بابتسامات كلسية، أعرف أن الكلمات مهما كانت، وكيفما قيلت، تخون وظيفتها ولا تغني عن درء أي حزن أو كمد، وأعرف أن لا لنا إلا صفات الصبر، وأجر تحمل الخُسر.
«غسان حبّال» أخذ أجمل أغاني «فيروز»، ولذيذ أحلى «الموائد» الذي كان يصنع، ودفء جلسات المساء، وغاب في الغمام، والخجل الذي ما زال يحتل أماكن على خديه، متورداً، وكأنه يعتذر عن الخير، لم يكن كاملاً، والإحسان كان ناقصاً، وأن الإنسان الطيب أحق بملائكة كثر يحرسونه.
غاب «غسان حبّال» تاركاً في كل الأمكنة أثراً منه، وكأنه الطيب، وأكثر من الاحترام، ما زال لظله الهادئ شيء من ترانيم الأديرة القديمة، وكثير من مزامير الحب وآهات الإنسان المخمورة، حين ينشق الفراغ، ويطرح تحت قدميه مراعي من البراري، وعشق المسافات، والسكينة حين تلف الأشياء، وتمنحها أمراً من هدأة النفس، غاب «غسان حبّال» مرتين؛ مرة في الترحال، وهموم المرض، وتشظي مدينته بيروت التي يعرف، ومرة في الرحيل الصامت في الوقت الصامت، في الأولى كانت الكلمات عصيّة ولا ترقى لوقع الألم والفقد، فتبرد الدمعة، وفي الثانية تخرج الكلمات متعثرة بعد أن تكون قد جرحت مجرى الحنجرة، فلا تجد ماء لعينيك جارياً، باكياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مسألة الفقد في مسألة الفقد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:01 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 19:17 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 18:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:54 2019 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:09 2015 السبت ,25 إبريل / نيسان

"سوني" تكشف عن مميزات هاتفها "إكسبريا زي 4"

GMT 23:38 2013 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تباين أسعار خدمات المطاعم خلال رمضان

GMT 11:24 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أجمل الوجهات السياحية في شتاء 2020

GMT 14:48 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

"Mother of Pearl" ترفع شعار تقديم الملابس المسائية صديقة البيئة

GMT 06:14 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوي كارداشيان تظهر بإطلالة جريئة باللون الأصفر النيون

GMT 05:01 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المنتخب الوطني تحت 19 عامًا يواجه طاجيكستان في كأس آسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates