بقلم : ناصر الظاهري
ساعات المدن لو حطمها خراب الحرب، واستهدفها قصف العدو، أول ما يعاد ترميمه، وبناؤه، لأنها دليل على حياة المدن، وإيقاعها النابض بالعافية، وشعار مقاوم ضد الموت، مثلها مثل الجسور، ومحطات الكهرباء، ومبنى الأوبرا، والمتحف، والنصب التذكارية والتماثيل، لأنها أملاك دائمة للمدن، والأفراد الوطنيون حرّاس لها، هي الرمز، وهي تاج الظفر، ويمكن
اختصارها بشرف المدن، وطُهرها، وشريك اللحظات الجميلة في حياة الناس وذكرياتهم، فهي كثيراً ما تطل من خلف الصور بالأبيض والأسود وراء عروسين فرحين، أو ملونة وراء عجوزين كبرا معاً، ويتمنى أحدهما أن يسبق الآخر في وداع الحياة.
تاريخ طويل من الزمن عاشته الساعات، وحافظت على إيقاعه الذي بدأ حينما قسم الإنسان الأيام إلى وحدات متساوية قبل 4000 سنة، بعدها قام البابليون وقسمّوا اليوم إلى أربع وعشرين ساعة، واخترعوا الساعة الشمسية «المزولة»، أما الفراعنة وقبل 3400 سنة، فقد عرفوا الساعة المائية، وفي القرن الرابع عشر عرفت الساعة الرملية، في حين ظهرت الساعة الميكانيكية
في أوروبا قبل 700 سنة تقريباً، وفي عام 1656 اخترع الهولندي «كرستيان هايجنز» ساعة البندول، وأول ساعة تم صنعها عام 1755 من قبل «جان مارك فاشرون»، أما زر تعبئة الساعة، فاخترعه «بياجيه» عام 1873.
ظل الإنسان يجرب حظه مع الوقت، ويخترع من الساعات الكبيرة التي يضعها في الأماكن العامة والساعات الجدارية إلى ساعات الجيب، ثم ساعات المعصم، ولعل ساعة هارون الرشيد المهداة لملك فرنسا «شارلمان» أشهرها في التاريخ، وساعة المخترع الصيني «سوسونج» في أواخر القرن الحادي عشر، والبالغة 9 أمتار، وتزن بضعة أطنان، وكانت تدار بساقية، والتي سرقها الغزاة وفكوها إلى أجزاء عام 1126، لكنهم لم يقدروا على إعادة تشغيلها من جديد، فأعادوها معطلة ومتوقفة، وهناك الساعة الصينية «أم البخور» التي كانت كل ساعة تحرق بخوراً مختلفاً، فيعرف الناس الوقت من رائحة البخور المنبعثة، وهناك ساعة الملك الإنجليزي «الفرد» الكبير الشمعية، المكونة من ست شمعات، طول كل شمعة 30 سنتيمتراً يحترق كل 8 دقائق سم واحد، ويستغرق اشتعال الست شمعات التي يشعلها الخدم 24 ساعة، وهناك الساعة التي عطلها الإسبان حين دخلوا غرناطة، وعبثوا بهندسة بهو السباع ونافورته التي كان يعرف بها الوقت حينما يتدفق الماء من فم السبع، أما ساعة كاتدرائية ستراسبورغ في فرنسا، فقد صنعت عام 1354 يعلوها ديك يرفرف بجناحيه كل ساعة، اليوم لم يتبق من الساعة إلا ذاك الديك، الميقاتي الأول في التاريخ!