بقلم : ناصر الظاهري
* المهرجان السينمائي الخليجي الثالث قدر أن يسحبنا من وراء مكاتبنا المتكلسة، نحو زرقة البحر، ورائحة ثرى الأرض، وباتجاه رجال قُدّوا من تعب وصبر، وعمق ثقافة مجهولة، ومهملة يمكنها أن تحكي وتقول أشياء لها قيمتها، وثقلها الاجتماعي، ويمكنها أن تغير الصورة النمطية عن خليج النفط، والبراميل المُصدّرة، وأن الخليجيين صنيعة مجتمع استهلاكي، ومدن الرفاه.
* في هذا المهرجان عرضت أفلام متفاوتة في آفاقها وأعماقها، وطرحها الفكري، وصناعتها ومهنية واحترافية مبدعيها، منها فائق الروعة، ومنها متوسط الجودة، ومنها ما يمثل بدائيات العمل السينمائي.
* من الأفلام الرائعة، فيلم الشاعرة والمبدعة سينمائياً «نجوم الغانم»، «سماء قريبة»، ورحلتها مع «أم محمد الهاملية» ببساطتها وطبيعتها وتحديها وقوة شخصيتها، وحسها الفكاهي، وحبها اللامتناهي لحلالها وبوشها، في فيلم أشبه بقصيدة نبطية عذبة المعاني، منسابة الحروف.
* ما زلت مصّراً على أن الثقافة الاجتماعية، في دول الخليج، المجهولة والمسكوت عنها، وغير المنبوشة، ولا المكتوب عنها، ولا المتناولة سينمائياً أكبر وأكثر مما طرح، وهناك بلدان خليجية تزخر بأشياء ذات قيمة حضارية، ومعان أخلاقية، وبعد ثقافي إنساني أكثر من غيرها، فإن لم يهتموا بالإنتاج المؤسسي الذي ترعاه الدولة أو على الأقل تساهم فيه بشكل أساسي، فإن تلك الأشياء ستضيع، وتنسى بتعاقب الأجيال.
* فيما شاهدنا من الإنتاج الخليجي في هذا المهرجان نجد معظم الأفلام بعيدة عن الدعم الرسمي، وأنها جاءت بميزانيات ضعيفة، وبدعم بخيل من بعض المؤسسات الخاصة والتجارية داخل المجتمع، حتى تكاد تخلو معظم الأفلام من الميزانيات الكبيرة التي تصنع فيلماً عالمياً، وتدعمه في المهرجانات الدولية، لما تمثله صناعة السينما اليوم من تأثير، وخلق للقناعات.
* ثمة تقاليد للمهرجانات السينمائية، والمحافل الفنية، أتمنى على المهرجان الخليجي في دوراته القادمة أن يحرص عليها، لأنها تعد من الثوابت، تماماً مثلما يتخلى المسرح عن دقات رفع الستارة المسرحية.
- كان المهرجان بمثابة لقاء أسري وحميمي، جمع أصحاب المهنة، وجمع الأصدقاء، ولم يخل من عمل فني، أو الوعد بالدخول في أعمال مرتقبة ومستقبلية.
* بين الأفلام الوثائقية والأفلام الروائية بأطوالها الزمنية المختلفة، تاهت بعض الأفلام، ولم تعرف وجهتها، ولا تصنيفها، ولا المعايير الفنية الملزمة.
* نكاد نقول إن الأفلام، خاصة أن بعضها ليس حديثاً وصنع للتلفزيون، تخلو من صفة التجريب السينمائي، وطرق جهات أخرى، غير الجهات الأربع، فيها المغامرة، وجس مكامن الإبداع، والذهاب بالفيلم نحو أفق لم يسبر بعد.
-نحو سينما خليجية، كان فرصة، ويمكننا كدول أن نخلق صناعة سينمائية مهمة في السباق الإعلامي.