بقلم - ناصر الظاهري
هي بلد لوحدها، لا شيء يشبهها إلا حالها، فيها متناقضات الدنيا، وكم هي اليوم صغيرة، إلا أنها كبيرة بأشيائها، فقد خرجت قبل قرون من عزلتها المائية إلى بحار العالم، واستعمرت بلداناً، وأسست شركات عبر البحار، وكانت تسلك طريقين: طريق السفن الحربية، وطريق السفن التجارية، وكان أسطولها منافساً شرساً للإنجليز والفرنسيين، واليوم.. قد تجد فيها الحرية المفرطة، حيث الإباحة في الأشياء، مثل أدخنة الكيف، لكنها بلد يسوده النظام والأمن، واحترام القانون، عجيبة هي هولندا.. صدّرت للعالم أشياء عدة، وصبغت العالم بألوانها البرتقالية، حركت طريقة لعب كرة القدم، فقدمت الكرة الشاملة للمرة الأولى، وحده حظها الذي لم تستطع أن تكسره، ولم يعانق الكاس روح منتخبها الجميل، ومن قبل كان هناك رسامون، وموسيقيون، ومهندسون، وكانت هناك صناعة الألماس، والسفن، والأجبان، والأشربة الروحية التي صدرتها للعالم.
فإذا كانت بعض البلدان تشتهر برمز واحد أو أيقونة فريدة، ووحيدة، حين تراها تشير لها، وتغنيك عن ذكر اسم البلد، فلهولندا أكثر من رمز، وأكثر من أيقونة، وهذا ما يجعلها تنفرد بخاصية، لا تشاركها فيها البلدان الأخرى، فزهرة التوليب أو الزنبق مثلاً، رغم أنها جاء بها الأتراك العثمانيون أثناء احتلالهم لبلدان أوروبا، إلا أنها رمز جميل لها، وأشهرت هذه النبتة الخجولة، وإن كانت تركيا تحتفل سنوياً في الربيع بهذه الزهرة كجزء من تراثها، إلا أن هولندا أطلقتها في العالم كأيقونة ترافق الحب في طريقه المعشوشب الأخضر.
طواحين الهواء كانت تولد الطاقة، وتسحب الماء لتجفف الأراضي في بلد عرف ببلد المستنقعات الواطئة أو المنخفضة، وقدر أن يخلق مدناً بتحييد البحر، وردمه، وبناء يابسة على تلك الأراضي الرخوة، ورغم أن طواحين الهواء اشتهرت عند الإسبان، وكان بطل رواية «سيرفانتيس»، «دون كيخوتا»، هو من يحارب طواحين الهواء بسيفه الخشبي، إلا أنها اليوم تعني هولندا، وأصبحت بعضها فنادق، وبيوتاً، ومطاعم.
أما الأيقونة الثالثة، والتي لا يمكن أن تراها دون أن تقول إنها هولندية بامتياز فهي القبقاب الخشبي، والذي يعرف بـ «كلوبن»، ويتفنن الهولنديون في تصنيعه، وارتدائه، لأنه كان رفيق المواطن الهولندي في الزمن الرخو، فهو يحمي القدمين من الأراضي الموحلة، وهو اليوم رمز لها بألوانه المختلفة، ويفرح السائح باقتنائه، خاصة وأن بعض هذه الأحذية الخشبية كبير بحيث يشبه المراكب الصغيرة.
ومن عطايا وهبات الطبيعة لهولندا، والتي طورها الهولنديون على مدار السنين بكثير من الرعاية والابتكار وتحسين الزراعة والعلف والنباتات المغذية، الأبقار الهولندية المشهورة «فريزيان أو هولستين»، مصدر أساسي ومربح لكل شركات الألبان والحليب في العالم، فهي تشبه الشاحنات الكبيرة، قياساً بأبقار العالم المسكينة الهزيلة التي تشبه صغار العجول في شهورها الأولى، وحليبها ليته يكفيها.. وغداً نكمل
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد