بقلم - ناصر الظاهري
من أعياد مدن العالم الجميلة التي حرصت أكثر من مرة على حضورها، لجمال ذاك التنوع، والاختلاف في المشهدية والاستعراض، وتغير وجوه الناس الوافدين عليها، مهرجان جنيف في بداية شهر أغسطس، حيث تشتعل وتشتغل جنيف بذاك الكم الهائل من الحضور من الجهات البعيدة والقريبة لثلاثة أيام متتابعة يتم سير العارضين وهم من مختلف الثقافات والإثنيات والأجناس في عربات أو سيراً على الأقدام على طول ذاك الشارع المطل على البحيرة، يقدمون أنواع الفنون ويحاكون القصص الأسطورية، ويتراشق الناس فيه بالمياه أو بـ«الاسباجيتي» الملون المُصَنّع أو تسمع زمامير الصوت العالية، ويختتم بالألعاب النارية في مشهد بديع تعكسه بحيرة جنيف. أما ألمانيا، وخاصة منطقة بافاريا فعيد «أكتوبر فاست» يعد من أجمل الأعياد، حيث يحتفون بشراب الجعة من مختلف الأصناف والأنواع والمصادر، ويقدمون فيه الدجاج و«السوسج» واللحوم المختلفة، وخاصة لحوم الخنازير، ويمتد تقريباً كل شهر أكتوبر، وتسمع في لياليه الضاجة بالناس وصخبهم وفرحهم، الموسيقى الفلكلورية الصادحة، والرقصات التقليدية المتعالية.
ورغم أن احتفالات عيد الميلاد «الكريسميس» تتشابه من حيث الطقوس الأولى، إلا أن لكل بلد ميزته، وولعه، وإرثه، وكل مدينة من مدن العالم تقدم لك خصوصيتها في هذه المناسبة، ومدى بهجتها التي تمتد حتى الاحتفال برأس السنة الميلادية، ولأن الأعياد والاحتفالات معظمها مرتبطة بالأديان أو بالطقوس التي ابتكرها الإنسان حتى قبل الأديان، لكنها استمرت معه كطقس اجتماعي، وإن كان أحياناً يخالف تعاليم الدين.. من هذه الاحتفالات الدينية يوم عاشوراء والأيام الحرم من شهر محرم، حيث تتنوع الاحتفالات من تقديم المأكولات والمشروبات للفقراء والمحتاجين، وقراءة مقتل الطالبيّين، إلى المبالغة والمغالاة في تعذيب النفس وتبكيتها، وإلحاق الأذى بالجسد لتطهر الروح إلى أشد أنواع الغلو، وتجسيد الشخصيات التاريخية، وعمل التمثيليات والسخرية منها، وشتمها ولعنها، وفق معتقد أتى مع الصفويين دخيلاً على الدين، وهناك احتفال ديني بالمولد النبوي، حيث إلقاء القصائد والأناشيد، وتقديم الطعام للمحتاجين، لكن المبالغة يوم الاحتفال بمولد أحد أقطاب الصوفية أو أحد أولياء الله الصالحين، وقد شهدته في مصر فيما يعرف بالليلة الكبيرة أو المولد، وفي بلدان الشمال المغاربي، حيث الاحتفال بمولد أحد السادة والأولياء الصالحين يغدو احتفالاً شعبياً كبيراً تنحر فيه الذبائح، وتقدم فيه القرابين، ويصاحب الاحتفال ابتهالات ورقصات صوفية مبتكرة، وسط روائح البخور واللبان، وتقديم طقوس الولاء للشيخ ولطريقته، وزيارة مرقده، والأمر ذاته تجده في تركيا، وخاصة في مدينة «قونيه» حيث قبر «مولانا جلال الدين الرومي»، والاحتفال السنوي في شهر ديسمبر بذكراه، والتي تسمى «صبح عروس» ومعناها «ليلة العرس» حيث تُقرأ أشعاره الروحانية، ومزامير العشق، وتؤدى رقصة الدراويش «الملوية» أو «السما زان». بعض هذه المدن جميلة بذاتها، لكن إن صادفت فيها عيدها، فتلك متعة أخرى، وتجربة لا تنسى.