بقلم : ناصر الظاهري
يضطرك السفر للتعامل مع فئات كثيرة من الكسبة والمتربصين والباحثين عن التنفيعة والسبوبة أو كما يسمونها هم « لقمة العيش»، فصادفت بائع الوهم، والسمسار المتأنق، ذا السيجار الكذاب، وسمسار الأرصفة المتصيد الغرباء، ومؤجرة الشقق المفروشة التي تركها الليل وحيدة بسمنتها المفرطة، وتاجر التجزئة الإيطالي الذي رأسماله النصب، والبضائع المسروقة، ومتسولي الطرقات والأماكن العامة الذين يبيعون لك أمراضهم المبتلاة، وأوجاعهم التي لا تنتهي.
في المقابل صادفت فنانين يتاجرون بشقاء أصابعهم وألوانهم، وكانوا صادقين وأمناء في البيع، ويكادون يستأمنونك بنظرة من عيونهم على لوحاتهم الهاربة، بائع الورود الذي لا يعرف الحزن، وموسيقيين ينشدون أحزانهم، وقصص حبهم الفاشلة، يحاولون بيعها على أرصفة الدنيا، وفي عجلة أقدام المارّين بدريهمات بخسة، فقط لكي يتخلصوا من بعض ثقلها الرابض على القلب، لكن لا ننسى في ذلك الخضم، أعمى كان يبيع الخردوات، تنتقي ما تشاء منها، ويأخذ هو من يدك ما يكفيه، وذلك الأعمى الآخر الذي يبيع كلماته، فقط لأنه يريد أن يرى الربيع تلك السنة.
من الظرفاء الذين تذكرهم، ذلك البائع للـ«إنتيكات» القديمة، حينما حلف على جفنة من نحاس، أن «نابليون بونابرت» توضأ منها حينما أسلم في الأزهر إبان حملته على مصر، وبائعا آخر كانت أغراضه كلها منهوبة من قادة التاريخ في آخر معاركهم الخاسرة.
بين المشتري والبائع ثمة لذة للمساومة أو المكاسرة، والجميع يفرح بتلك اللحظة للانتصار، لذا يقول الإنجليز:« كاربت بزار» أو سوق السجاد الذي لا يمكن أن تظهر منه رابحاً، لأنك مهما ساومت، تظهر مغلوباً، وحده الشغف يظل يحضك على الشراء، والتُجّار يعرفون من قبل قيمتها في عينيك، أما في أوروبا فالمسائل واضحة، وسعر كل شيء مكتوب عليه، فالإنجليز يخفضون من القيمة بنساً، ويتعلقون بالتسعة والتسعين، أما الألماني فسعره واحد، ويغضب إن ساومته، أما شعوب البحر الأبيض المتوسط، فالمساومة عندهم جزء من البيع وحب الثرثرة، والتدليس، فلا يتوانى أحدهم أن يبيعك فردتي حذاء للرجل اليمنى المعطوبة أو بقياسين مختلفين، فيستثقل عليك إرجاعه بعد وصولك، ولن تذهب للبلد نفسه إلا بعد سنوات، يكون فيها إما الحمار مات أو تغير الوالي.
ومرة في سوق اسطنبول، وكنا وفداً، فدخل وزير وسأل عن سبحة كهرمان، مرصعة بالفضة، فطلب التاجر التركي الذي يبدو أنه يميز الناس من طلتهم، ألفاً وخمسمائة دولار، فصبرت عليه أسبوعاً، ثم ذهبت إليه ومعي صديقان، ودخلنا عليه، واحد يعرج، وواحد يكح، وآخر يشكو من ضيم الدهر، فاشتريت المسباح منه بثمانمائة دولار!