كأنما المسك في راحَتَيّ

كأنما المسك في راحَتَيّ

كأنما المسك في راحَتَيّ

 صوت الإمارات -

كأنما المسك في راحَتَيّ

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

هي زخارف من وقت وبشارة ونور، قراطيس من رعاف اليراع، ونزق القلب حينها، وما يمكن أن يسطروا، طروس تحمل أختام ومهور المدن، عطور النساء في مساءات غبوقها ندى العنب، وشفيف دفء الردن، وما يمكن أن يخطوا، هي قصاصات بحجم كف اليد، لفنادق ومطاعم كانت تحتضن تعبي وفرحي وشياطين سفري وما يملأون ويكتبون، مثل تلك الوريقة الذابلة، والسائح لون أطرافها، وما قد قاله الصديق
محمود درويش يوماً: «الفارق بين عبّاد الشمس والنرجس، هو الفارق بين وجهتي نظر، النرجس ينظر إلى صورته في صفحة الماء، ويقول: ما أنا إلا أنا! أما عبّاد الشمس، فيقول: ما أنا إلا ما أعبد! وفي الليل يضيق الفارق، ويتسع التأويل»!
تلك قصاصة مؤرخة في يوم الأربعاء 9 أبريل عام 2008 الساعة العاشرة والربع مساء، على ورقة فندق «لو ميريديان» باريس، وهي واحدة من القصاصات الغالية التي أملأ بها جيوبي، أو تندس في مكان ما في سياراتي، أو على طاولات مكاتبي، أو في الأدراج الصغيرة لخزائن أسرتي أو يمكن أن تكون هنا أو هناك، لكنها موجودة، يمكن أن تغيب فترة، أنساها لحين، لكنني إن رأيتها، كان الفرح طفلاً، وكانت الذاكرة ريّانة، هي قصاصات من فرح، لا أحب أن أتخلص منها، وأجمعها، لكن مشكلتها أنها صغيرة، وبخط صغير، وعلى ورق صغير، وأحياناً تكون من ورق يصلح للعطس لا لإسالة الحبر عليه، فواتير مقلوبة على بياضها استعداداً لجرأة الحبر.
مهما ذهبت باتجاه الأجهزة الرقمية، ووسائل التقنية، وحاولت أن أكون متمدناً، ومن الجيل الجديد، ومنظماً بطريقة إلكترونية، ومرتباً وفق برامج تساعدك، وتختصر لك الوقت، ونحيت صوب الكتابة على شاشات من الديجتل، تبدو حروفها العربية مفككة، وتأخذ شكلاً أفقياً ليناً، وتعطيك الثواني، وعدد الحروف والسطور، لكنني أشعر أنها تصلح لمحاسب أكثر منها لكاتب، خاصة وأن مزاجية حمل الأشياء في اليد، مسألة منتهية، ولا تقبل نقاشاً أو تسوية مع الذات، لأنها.. وكأن المسك يغمر راحتيّ، وكأنها مسباح أنيق يزين الكف بأحجاره وصوته العابد الكريم أو هاتف لا يمكن الخلاص منه، تلك القصاصات شأنها شأن الأشياء الغالية التي تخبئ فرحتها لك وحدك.
تبقى قصاصات الورق أعز، وأخف على النفس، يمكن أن تطويها أو تضعها في محفظة الجيب، يمكن أن تضعها بين صفحتي كتاب، يكفي أن لحضورها تلك المشاغبة لحمامة القلب، وثمة رائحة تلفها، بحضورها يحضر المكان، ويحضر الإنسان، تحضر ذاكرة اللحظة التي هربت، هناك سر تحتفظ به هذه القصاصات الورقية الصغيرة لنفسها، ولك وحدك.
تبدو عادة امتلاك تلك القصاصات الورقية منذ الصغر، تبدو أن المهنة زادت من محبتها، تبدو هي ذاهبة معي حتى الكبر، اليوم حين أقلب ما تقع عيناي عليه من هذه القصاصات، لا تدركون ما معنى الشجن الذي تبثه في داخلي، أماكن بعيدة تحضر، أشياء عزيزة تحضر، حيوات مرّت، بموسيقاها، وعطرها تحضر، وبالمطر النازل بكسل في غير موسمه، ولا موسمها يحضر.
في لحظات من الفرح الغامر، قررت أن أجمع تلك القصاصات التي تمتد إلى الثلاثين عاماً أو يزيد، وأنتشي بإشعال نار الحب فيها، وأن أحرقها، لأتبخر بعطر السنوات، وحميمية اللقاءات، وقلق وألق الأمسيات!
كلمة على الهامش: وفي رواية أخرى قررت قبل حرقها أن أكفنها، وأحنطها بالورد والياسمين والكافور على صفحات كتاب، وأنشرها، لأنها قصاصات من فرح، ولها عبيرها، وسرها الذي يغمر بالمسك راحَتَيّ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كأنما المسك في راحَتَيّ كأنما المسك في راحَتَيّ



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار

GMT 08:09 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يُثني على النجم أبو تريكة ويعتبره نجم كل العصور

GMT 19:44 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"شانيل" تبتكرُ قلادة لؤلؤية بطول 60 قدمًا

GMT 16:32 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

كنيسة قديمة تتحول إلى منزل فاخر في جورجيا

GMT 16:59 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

جاكوبس تروي تفاصيل "The Restory" لإصلاح الأحذية

GMT 17:32 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مقتل صاحب إذاعة موسيقية خاصة بالرصاص في طرابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates