بقلم : ناصر الظاهري
المطربون الخليجيون القدامى، أيام «المشتختة»، وأسطوانات «حمادة فون»، والتي لا تنفك الإذاعة في أوقات عسرتها عن أن تنبش أغانيهم ذات التسجيل غير الصافي، ما إن تسمع بعضهم حتى يوحي إليك بأن معظم أسنانه متساقطة، أو لديه صف أسنان ذهب في فكه العلوي، تشعر بطعمها النحاسي في الحلق، لا موهبة في العزف فتشفع له، ولا صوت يمكن أن تطرب أذنك به، حشرجة مختلطة، توحي بـ «عكّورة تتن أو سجاير لفّ» وشرب زجاجات كولونيا مما توفر، «كليوبترا أو أم قرون»، عديم «النصخ»، وكأنه أصيب بـ«التيبي» يوماً ما، يخطف على قواعد اللغة العربية، فيشّعاها، مثلما يخطف على
أوتار العود بتشنج واضح، ينبئ عن عدم إتقان، وعدم ثقة بالنفس، وحظ التعليم الموسيقي والهارموني صفر على الشمال، من خلفه اثنان من أصحابه من ضرّيبة الصينية، وضرّيبة «المراويس»، وبعد التنحنح ينفلت المطرب: «مرّ ظبياً»! ولا تدري لِمَ لا يكون مرّ ظبيٌ، ويخرط ذاك العود المتراخي من الرطوبة، وبعض الإهمال، وصديقاه من ورائه، خاصة ذاك الذي يشكو من علّة في البصر واضحة، ودقّه «المراويس»، شو قلت؟ فيصرخ المطرب من بئر عميق: «مرّ ظبيّاً»! فيردون عليه بالمراويس «صووو»، «سباني.. هيه.. والله سبااااني»!
الأوروبيون في صباح الفنادق غير الضجر، تجدهم متهندمين بالبساطة، ونشطين منذ الصباح الباكر، ورائحة الصابون تكاد تخرج من مسام جلودهم، يقبلون على الفطور بجهد حقيقي، وبصدق منقطع النظير، يظلون يتناوبون على ذلك «البوفيه» الصباحي، شبه المجاني، عصير «جريب فروت» وعصير تفاح، وقبلهما كأسان من الماء الفاتر، بعدها ما يوفرون شيئاً «حبوب ونخالة، بيض رخو، وزلال، بيكون أو سوسج، ثم أجبان وألبان ومعجنات» وعقب ذلك كله الواحد منهم مستعد أن يقشر برتقالة، ولا يتوانى، ويوسدّها ضرسه، ويقوم نشيطاً، متعافياً، ومستعداً لأن ينطلق إلى عمله أو رحلته، طبعاً إخوانك العرب أسرّة الفنادق تجعلهم ينامون أكثر من «شبرية» البيت، لذا يبقى «منيلغ» يطارد «طيف حلم مرّ خطّافي» وإذا ما استيقظ أحدهم من النوم مبكراً، يشعرك أن الحق عليك، وأنه مثل من كان في حلبة ملاكمة أو سباق ماراثون، وليس مدفوناً في سرير وثير، يتشكى من ظهره، ومن عظامه، ويظل يطرطق رقبته، ويتمتح، ويده على رأسه يبحث عن موضع ألم، والعيون منتفخة، والجفون متورمة، وما له نفس يتفطر، وكبده لايعة من الأكل المتأخر تلايا الليل، وما له خاطر يتكلم، وأثر رغوة الصابون مُبيّضة بشرة وجهه السمراء الجافة، تذكرك بشحف الشتاء، يوحي للذين يلمحونه قول: «خوزوا عنه..»!