مواء القطة الرمادية

مواء القطة الرمادية

مواء القطة الرمادية

 صوت الإمارات -

مواء القطة الرمادية

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

كان أول اتصال حقيقي بيني وبين القطط الأليفة في ذلك المنزل الإنجليزي من عام 1977، حين كانت القطتان تتمسحان بي كشخص غريب عن البيت، هكذا علمهما «جيسون» الذي ربما أصبح الآن «يعري» أنجليزياً، أو ربما شاخ مبكراً في حانته اللصيقة بزاوية غير قصية من منزلهم ذاك، إذا لم يلتحق بالبحرية الملكية، ويرى العالم بطريقته.
كان عهدي بقطط الحارة التي لا تترك حاثرة ولا باثرة إلا ولطمتها، ولا تبقي كدّافة بلدية، ولا صِنّية إلا وبعثرتها، أما ذلك السنور الهرم الذي ما إن يرى شخصاً يمشي في الحارة، إلا ويفتل له أحد شاربيه، ليؤكد له أن لا مزاحمة ولا ممازحة في اقتناص تلك الفئران الهاربة بحذر، وإن لم تجد قطط الحارة مبتغاها في الخارج، تجدها تتسلل إلى البيوت قبل الغداء، مدركة أن «حْلَى» هذا البيت لحم، وآخر سمك، لكن العجائز حيلتهن أكبر من جهدها حين تريد القطة أن تكشف عن القدر أو تقلبه أو تهرب بغنيمتها الغذائية، فتجد العجوز وقد وضعت على القدر حصاة لا يروزها إلا الرجل المتعافي.
وفي العمل أتتني مرة موظفة، تريد إجازة للذهاب على عجل، لأنها تأخرت عن موعد العيادة، فخشيت أنها مسألة جادة، مستعملاً الكلمة الإنجليزية، «سيريس»، لأنها أخف من الكلمة العربية التي تُعد شيئاً من التدخل في شؤون الآخر، فلما قالت: «يعني»! خشيت أن تكون المسألة شأناً نسائياً بحتاً، فَصَمَت، وقلت لها: «طمنينا حين ترجعين»، وكنت على وجهي، وقبل أن تخرج قالت: «بصراحة.. أنا أمس لم أنم طوال الليل، لأن قطتي كانت تعبانه، وتتلوى من الوجع، اعتقد أنها حامل، وأنا خايفة عليها»! فأسقط في يدي، وكدت أن انفجر ضحكاً من الداخل، فتذكرت رداء الوظيفة، وما يفرضه عليك من بعض الصرامة غير الضرورية، وقلت في خاطري: «إن شاء الله بكرها ولد»!
ولم أدرك أن القطط أهون من الكلاب في المنزل، حتى تجاورت مع عجوز فرنسية في إحدى عمارات باريس، في البداية كان كلبها غير ودود تجاهي، وكأنه يعرف فرقي، وعدم استلطافي، بعدها بأشهر من السكنى كان يشعر بي، وأنا أمشي على أطرافي من المصعد إلى الباب، فينبح نبحتين، ليقول لي إنه متيقظ، بدلاً من أن تتنحنح العجوز، وقد وضعت تركيبة أسنانها، وهمت بالنوم، لم ترض عني تلك الجارة الارستقراطية إلا حين ربّت على ظهر كلبها في المصعد مرة، وظل يحتك بباطن ساقي، وأنا متجمد، ومتجلد بالصبر، خوف أن ينهش تلك العضلة الضامرة، والتي فجأة انتفخت كرأس قط من التشنج، مع ضحكة شبه مُرة في وجه العجوز، قائلاً لها: «سعيدة أنت بهذا الكلب الظريف»! من بعدها كانت تراني من أطيب الناس، ولو الشور شورها كانت ستطعمني من غدائها أو عشائها.
لم أدرك عوالم القطط الحقيقي من «صالونات، وعيادات، وشامبو، وما بعد الشامبو، ومناشف معطّرة ورقية، وعيدان قطن للأذن، وأكياس قطنية تستعمل لمرة واحدة، وترمى «جوتابل»، وقصاصات أظافر، وكنف للنوم ظهراً، وآخر للنوم العميق ليلاً، وأمشاط أغلى من التي نستعملها، ونشتريها عادة من الجمعية، وأشياء كثيرة غالية، كلها شغل فنادق خمس نجوم، إلا بعد أن شرفت منزلنا «لا لونا» أو «غرّي دو غرّي» تلك القطة الصغيرة ذات الوبر الرمادي المتدرج، والعيون الشيرازية، بطلب ثم إصرار، ثم أمر من البنت الكبرى، «أروى»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مواء القطة الرمادية مواء القطة الرمادية



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 01:23 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

منتدى الشعر المصري يناقش كتاب "السلطة والمصلحة"

GMT 15:50 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نصائح بسيطة للحصول على مطبخ ريفي أنيق

GMT 05:40 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 00:27 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

جينيفر لوبيز تنزلق على خشبة المسرح أمام الجمهور

GMT 04:35 2014 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

93 لوحة لـ 22 مبدعًا في معرض "ثمرة"

GMT 13:50 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

صبري فواز قيمة مع السنوات

GMT 14:30 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف علي المواصفات الكاملة لـ"كيا سيراتو 2019" الجديدة

GMT 22:03 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

انطلاق معرض تشكيلي في المدينة المنورة

GMT 01:59 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

سعر الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي الخميس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates