بقلم - ناصر الظاهري
مشكلة بعض الناس أنهم إذا ما تغير عليهم الحال أو تبدلت أعمالهم أو غادروا مناصبهم، يلوذون بالنفس وحب الانطواء والتقوقع في زوايا ضيقة ميتة، ولا يستطيعون أن يخرجوا للحياة كما كانوا، ويظلون يجترون ذكريات الأمس الجميل، وعدّ الناس الذين تغيروا عليهم، والذين خدعوهم بنفاق وظائفهم، والذين تنكروا للخير الذي أغدقوه على أناس لا يستحقونه، لكن لا ينفع الندم كما يقولون الآن.
إن أحد أسباب هذا الانطواء هو عدم توقعهم لحادثات الأيام، ومتغيرات الحياة، واعتقدوا أن الوظائف بامتيازاتها باقية، وأن الناس الذين يمارون ويمتدحون باقون حولهم، لكن أهم الأسباب عدم تمتعهم بالذكاء الاجتماعي، والتأقلم مع المتغيرات، والسعي إلى الجديد، وحب التجدد.
تلك كانت استهلالة لموضوع المتقاعدين عموماً، لكن من نقصدهم اليوم في حديثنا هم «المتقاعدون القدامى»، وهؤلاء ينطبق عليهم المسمى «المحاربون القدامى»، هؤلاء بالإضافة لمشكلاتهم التي يتشاركون فيها مع فئة المتقاعدين سالفي الذكر، لديهم مشكلات أكبر، وهي: الرواتب القليلة والتي لا تناسب مكانتهم الاجتماعية ومجهوداتهم التي كانت أيام الفقر والصبر وحرقة العطش، وقد كتبت عنهم مرات، حين رأيت بعضهم يمتهن مهناً بسيطة لا تناسب اسمه وتاريخه والوظائف التي شغلها في سابق الأيام، وبالأمس ذكرني بالموضوع زميلي «علي العمودي في زاويته الجميلة النابضة بما يؤرق الشأن المحلي».
المتقاعدون القدامى البعض منهم هرم، والبعض لا تتناسب قدراته التعليمية مع متطلبات العمل اليوم، ولا يتقنون مهارات العصر الجديد، لكنهم في الحياة الاجتماعية يتشاركون مع فئات المجتمع، فالجمعيات والأسواق لا تعرف متقاعداً حديثاً ومتقاعداً قديماً، بل إن المتقاعدين القدامى أكثر حرصاً على الكرم والواجب ومعرفة سلوك الأولين، ولا يمكنه أن يعزمك في مطعم أو على صحن عليه دجاجة أو تلقاه تاركاً أمه وحدها في البيت، وزابن مع حرمته، ولا يراها إلا إذا حنّت عليه بأنها مشتاقة لأحفادها، وهي الأم التي تحب ابنها، وتريد أن تراه قبل أحفادها، ولم تغيرها الظروف، وإن غيّرت حال الابن.
لا أريد أن أذكر مزايا المتقاعدين القدامى، ولا هي مثالب في المتقاعدين الجدد، ولا هي مقارنة، ولكن لكي نقف مع رجال أدّوا واجبهم، وعملوا وقت الشدة، وفي أيام الرخاء نتناساهم أو نهضمهم شيئاً يستحقونه وأكثر، ولا نلتفت لظروف وقتهم الذي مضى وشدته، ولا وقتهم اليوم وما أقسى شدته! حتى إن البعض منهم يؤلم قلبك حين تراه، وكأن حاله يقرأ بعبارة :«مُت.. قاعداً»!