بقلم - ناصر الظاهري
زمان.. أيام الالتزام، والطُهر الثوري النضالي، والإخلاص للمبدأ وللقضية القومية، والقراءات المخلصة للعذابات الإنسانية، تعلمنا من واحد «لوتي، خكاك»، لا قرأ كتاباً، وسقط في الصف الثاني الثانوي، وهو صف المرحلة الرخوة التي لا يسقط فيها الطلبة عادة، ولا حاول يكمل الثانوية، وتعاجز أن يدخل الجامعة، لخص لنا الحياة مرة، بحكم تجربته المنحصرة في التودد للنساء، وكسب ودّهن، رغم أنه كان بلا موهبة، ولا بتلك الوسامة الواضحة، ولا بذاك الغنى، ونصف حديثه كذب، ومجاملة لا تخفى على فطين، لكن حظه معهن كان أفضل منا، كان رأسماله قميص مشجر، نعرف من أين اشتراه، ومجموعة «كاسيتات منوعات» لمطربين لا نعرفهم، ولا نكن لهم مودة بأغانيهم الهابطة، وأشرطة مميزة لأغاني عبد الحليم حافظ بصوت واضح، تسجيل استديو بعلبك في لبنان، وورقة رسائل ملونة مكتوب عليها استعارات من نثريات «جبران خليل جبران» الذي بالتأكيد لا يعرفه، لكنه استنسخ كلماته وحكمه في الحياة، هي دقائق ويصرّ تلك الرسالة المعطرة في يد البنت مع اعتذار ينم عن رقي مخاتل، يتبعها بشريط المنوعات الغنائية، ونسمع ضحكة البنت الخارجة من خاطرها، في حين تظل البنت التي قبالتي، أنا وأمثالي المثاليين، متجهمة، متبرمة، وتريد الفكاك، وكأنها جالسة أمام مدرس حصة الفيزياء الاحتياط، وبين حين وآخر تظل تنظر لصديقتها، وصاحبنا أبي القميص المشجر، والذي نعرف من أين اشتراه، هي دقائق وتفر البنت إلى صديقتها متعذرة بأي شيء، وبعد قليل نسمع ضحكتها، وخفة حركتها، ونرى عينيه المتشفيتين بنا، ذلك «اللوتي الخكاك» الذي سقط في الصف الثاني الثانوي، لخص لنا الأمور: «اسمعوا يا متعلمين، يا بتوع المدارس» على رأي الفنان سعيد صالح، اسمعوا: الحرمة تريدها تعطل مشاريعك، وتريد وجع الرأس من دون فائدة، وتريد أن تكون ويّاها «حِكّ.. صِكّ»؟ اجلس ناقشها مثلما تناقشها أنت وأمثالك أصحاب المبادئ والمُثل العليا، قل: أعتقد، وربما وريثما ولا مندوحة، واشرح لها الحيثيات والبعد الإستراتيجي، والظرف الموضوعي من خلال منظور أو وفق مفهوم الرؤية الموحدة، ومن هالخريط اللي ما يجيب إلا الحموضة. تريد الرضا والهناء؟ أعطها من هالزَرّي والمخوّر، وهلّ اللي في رأسك في مدح ظلها العالي ومقامها السامي، وشوف كيف تصير الأمور، والله لتحبك على رأسك طالعة كل شمس، وإياك تقول لها مرة: صبغة شعرك مب زينة، ترا ما بتشوف إلا الخسارة الزائدة، وهدل ذاك البرطم، ونزاع مع صاحبة الصالون، وقد تكون أنت طرفاً مشتركاً فيه، كأن تنعتك صاحبة الصالون حين يشتد النزاع بينها وبين من خربت لون شعرها: زوجك هذا أصلاً «جنغل»، شو عرّفه بموضة صبغة الشعر، و«الميش، والهاي لايت»، فترد الزوج المصون، وكأن أحداً داس على طرف ذيل ثوبها: صحيح زوجي «جنغل» بس بعده أحسن من زوجك هـ «الدقس، درام الديزل»، وتظلان أيها الزوجان الغائبان حاضرين في تلك المشاجرة التي ستطول، ويطول خصامهما إلى ما قبل أيام العيد»!