دكان أبو الخير 2

دكان أبو الخير "2"

دكان أبو الخير "2"

 صوت الإمارات -

دكان أبو الخير 2

بقلم : ناصر الظاهري

رائحة دكان «أبو الخير» تشبه حالها، هي مزيج من الجواني القنب، ورائحة الحبال الرطبة المجلودة، وطاقات الأقمشة، على أقفال وسلاسل حديد وسكاكين، و«أبياب» سمن بقري، كان يؤخذ منها بمقياس رطل، على رائحة لبان محروق، يتفاءل به «أبو الخير» صباحاً لتعطير الدكان، ومساء لطرد الناموس، وجِنّ الليل، هناك روائح البهارات، وأشياء مخزّنة، ومنسية، لم يعد يتذكرها، كانت خليطاً متفرداً، وستصبح مع الوقت مألوفة للأنف، وسيميزونها عن رائحة بقية دكاكين السوق القديم.

لم يكن «أبو الخير» غنياً إلا قياساً بحال تلك الفترة التي يتقاسم فيها الناس شظف العيش، ويمكن أن يأكلوا الجراد، بدلاً من أن يفتك بمزارعهم، وكان الرجل يتزوج بطلع نخلة أو يمكن أن يرهن بندقيته، لكنهم كانوا يدركون أن فلوس «أبو الخير» ما «تعبّر»، لذا يستدينون منه، هو يعرف الناس، ولا يكتب الدين، كانوا يرهنون عنده الذهب والنخل والبيوت عند الحاجة، فيكتفي بالشهود الحاضرين، أما دكانه فكان يبيع بالصبر أو الدين، ويتسامح كثيراً، ويرضى، ولا يتجادل في أمر، يعتقد أنه ربما أنساه إياه الشيطان، ولو فيه خير لذكّره به الرحمن.
كان بيت أو «غرفة أبو الخير»، هكذا أطلق عليه الأهالي تميزاً عن بيوتهم، كبيراً، ومختلفاً، ومنعزلاً بعض الشيء، كان مصبوغاً بالنورة البيضاء، ومن دورين، وملحقاً به دكانه، وكانت فيه كهرباء، لكن لا أحد يعرفه من الداخل، ولا ما يطبخون، كانت علاقة الناس بجدرانه الجصّية التي يتأملونها، لأنها أكبر من أسوار بيوتهم الطينية أو حُظر عُرش النخيل، أما الأولاد فكانت الجدران البيضاء محطة لشغب خطوطهم غير الناضجة، ولا المؤمل فيها خيراً لتتحسن مستقبلاً، والباحثة عن مغامرات ذكورية غير مكتملة، والمتخيلة لبنات من البَرّ الآخر، يختلف بياضهن، وصفاء عيونهن، وشعورهن المنسدلة، عن بنات الحارة الراكضات نحو مدرسة القرآن بمحافظهن القطنية أو الآيبات من النخل، وتعب اليوم أو المروّيات من الفلج بعقوصهن، وعجفاتهن، وأقرب الشبه بإخوانهن، وسمرتهم التي لوّحتها الشمس، وستظل.

ظل البيت أو الغرفة كهالة بيضاء، لا تفتح «درّوازتها» الكبيرة إلا عند الدخول أو الخروج، عكس أبواب بيوت الأهالي المشرّعة دوماً، كان الناس يسمعون من زيارات بعض النساء: أن اليوم رزق «أبو الخير» بحاسر أو بنت، بقي ابنه الوحيد إسماعيل الذي جاء بعد ابنته البكر صفّية، هو الذي يعرفه الرجال، لأنه يظل أحياناً في الدكان، وحين كبر، وفي إجازاته الدراسية، كان يبيع، لكن الأهالي، كانوا يقولون: «إسماعيل يموت على الفلس، والله ما شابه أبوه»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دكان أبو الخير 2 دكان أبو الخير 2



GMT 22:32 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

خميسيات

GMT 21:24 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

التنسك في الألوان

GMT 21:19 2016 الأحد ,04 كانون الأول / ديسمبر

نوبل.. تلك النافذة الكبيرة

GMT 23:31 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

السماحة تميزهم.. ولا تغيرهم

GMT 21:21 2016 الثلاثاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

نتذكر ونقول: شكراً

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates