تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة.. وحقيبة سفر "1"

تذكرة.. وحقيبة سفر "1"

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

بقلم : ناصر الظاهري

 كلما سنحت لي فرصة الحج أو العمرة، وزرت تلك الديار، تطرأ عليّ أشياء بعينها، حيث المشاهدة الأولى، واللقاء الأول، كأول فجر مكي رأيته منذ ما يزيد على سبع وثلاثين سنة، كنت نازلاً من شعب عامر باتجاه الحرم المكي، كان ندياً يرجف البدن برده، وثمة شيء من ضباب وغبش، وكل قراءات التاريخ وشخصياته تراءت ليّ في ذاك الطريق، وخيط من أناشيد إنسانية، وتراتيل ملائكية، وكثير من السعادة حفّتني، وكدت أطير بخفة الغمام السائر بسم الله والحمد، كما تطرأ عليّ صباحات ومساءات بذاتها في المدينة المنورة، حيث ظل قلبي معلقاً بها، وبدفئها الذي لامس الضلوع، وشعرت حينها برائحة البراءة، وعطر الطُهر، ومعنى أن يكون الإنسان خالياً من الأذى.

غير أن شيئاً آخر أتذكره، ولا يبارح الذاكرة أيضاً، هو قصة واحد من جبال الهندوكش، أفغانياً كان أم باكستانياً، سنياً كان أم شيعياً، متعلماً كان أم جاهلاً، لا أعرف الآن، ما عرفته حينها أن الفطرة تسيّره، وأن قلبه كان مفعماً بأشياء كثيرة، أقربها الإيمان، وأكثرها الجهاد والمجاهدة، كان له بسطة في الجسد، ووجه لا يمكن أن يوشي إلا بالحرب، وسكن الجبال البعيدة، بلحيته المرتخية وشعره الطويل وصوته الأجش، وكأنه منبعث من غبار التاريخ، كان هذا الرجل قد حضر قبل الحج بشهور، وظل يجالد النفس، ويحارب غيّها، لا قولاً، بل فعلاً، بحيث رقى معظم جبال مكة طلباً للآجر، وظل يخدم الحجاج والمعتمرين بالمجان ما استطاع لذلك سبيلاً، بحثاً عن المثوبة، كان يطوف بالكعبة في ذهابه وعودته، ساعياً وملبياً، ومتهجداً بالليل والأسحار، لازم غار حراء أياماً، ويوم الحج إن أكتفينا نحن بالجلوس تحت ظل شجرة في عرفات، كان هو في قمته، تصّليه الشمس، ويكابد المتدافعين صعوداً، كان ينحر هديه بيده، ويذبح لمن أراد من الحجاج أضحياتهم، ويجز رؤوس البعض، كان بوده أن يعتلي نصب الشيطان ليحطمه، لا ليرجمه بجمرات صغار في اليد.

غير أن ما يثير العجب أنه مشى من مكة إلى المدينة، وربما كان حافياً، أغبرّت قدماه، ونضح عرقه، ولاقى من المصاعب ووعثاء السفر ما وجد، كان يعتبرها في قرارة نفسه هجرة إلى الله ورسوله، وأن ما يلقاه اليوم، لاقى أكثر منه الرسول الكريم وصاحبه، وفي المدينة مكث طويلاً، وانتحب كثيراً، متسائلاً عن قبور الصحابة يبكيهم فرداً، فرداً، وشهد على أماكن الغزوات، وتبرك بتربتها، لأنه يعتقد أنها هي التي ثبّتت الإسلام وأظهرته، لم يبق على ذلك الرجل من جبال الهندوكش إلا أن يستشهد في سبيل الله عامها، وقد قلت له ممازحاً إنه لن تطيب له نفس، ولن يفارق هذه الديار إلا بعد أن يظفر بثلاثة من بقايا كفار قريش، ويقصبهم ويرتاح.. وغداً نكمل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 14:48 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

المنصوري والنيادي عند شغاف النجوم

GMT 14:46 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

كان يراقبهم يكبرون

GMT 14:44 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

كل هذا الحب

GMT 14:43 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

رواية عظيمة لا تعرفها

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"

GMT 08:22 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

لاعبة ترفض الوقوف حدادا على مارادونا بسبب "أفعاله"

GMT 18:44 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

مصر.. اقتراح قانون في البرلمان لتجريم زواج القاصرات

GMT 14:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الرئيس الجزائري يُقيل رئيس "سوناطراك"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates