تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة وحقيبة سفر -1-

تذكرة وحقيبة سفر -1-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

هناك أشياء كثيرة أثناء التنقل والأسفار من مدينة إلى أخرى تستوقفك، وتجرح دمع عينك، بعضها تمسك يدك، لا تدعك تمر سراعاً، قد تكون أشياء بسيطة، وقد لا يلمحها الإنسان العجول، وقد لا تعني رجل الأعمال المليء بالأصفار وجبرها وكسورها شيئاً، غير أنها توقظ قلبك، وتلامس شفافية النفس، لا تدري كيف تسللت لداخلك أو من زرعها في الرأس أو أي حادثة ألصقتها بك ونسيتها، مثل «روبل» بطل القاص الروسي العظيم «تشيخوف» الذي وجده مصادفة، وهو صغير يمشي مرمياً على الأرض، وظل حتى كبر لا يرفع عينيه عن موطئ قدميه، وحين أحصى ثروته في أعوامه الأخيرة من تلك اللعبة وجد كماً هائلاً من مسامير، ودبابيس شعر نساء، ومفاتيح صدئة، وأقلام غير مبرية، وخاتماً، وظهراً معوجاً، ونظراً ضعيفاً.. أشيائي الصغيرة.. الكبيرة التي تأسرني، وتمنعني أحياناً من المسير، وتمنحني كثيراً من التأمل، وفرحة القلب الخضراء الريّانة:
- مقعد خشبي في حديقة عامة، صامد في الشتاء، مثل شيخ عجوز منتظر حفيده الآتي من عدمية الحرب، والثلج يتهامل عليه ندفاً، وحده في ذاك الصقيع لا أحد يسامر جلسته، ولا ينتظر أحداً أن يلقي عليه السلام من بعيد، وحده يتذكر الناس ووجوههم المحمرّة واللزجة في الصيف، ويتذكر فرحتهم بالربيع، وتلك الأشياء التي يجلبها لهم عادة مطر الخريف وريحه شبه الباردة، غير أنه في شتائه المثلج هذا أشبه بـ «جنرال» متقاعد، ولا أحد يراسله.
- الشرفة المزهرة كحديقة سقاها القلب، وكبرت واخضرت أمام العين، عطرّت ألوانها ذاك الفراغ والجدار الأبيض، غيّرت من ملامح الحديد الأسود المشغول، فجأة دبّت فيها عافية بصوت موسيقي ينسلّ لها من الداخل، عجوز بشالها المزخرف أمام فنجان قهوتها الذي تمزّه بارداً قليلاً، لا أحد هناك غير ذكريات تسلقت عالياً حيث شرفتها، ولا تريدها أن تغادر، ولا تريد أن تسخو بدمع العين، في تلك الشرفة تريد تلك العجوز أن يكون مرقدها الأخير هنا مع أشياء كثيرة أحبتها، وأخلصت لها، كذاك البرواز الخشبي المعلق هناك، والذي يخبئ ظل عاشقين، هو يتماهى في السواد، وهي في زفاف الأبيض، أحدهما خرج من ذلك البرواز قبل سنوات، لكن قلبها قبض عليه ببدلته السوداء التي ما تزال تذكر عطرها تلك الليلة.
- يأسرني الجدار الأبيض، وتأسرني تلك الشجرة التي تحاول أن تمد عنقها لترى الخارج، وحين تطمئن تبدأ بإضفاء ظفائرها عليه مسترخية، سعفاً أو غصناً أو فرعاً طارحاً ظله بالمجان، بعضها مثل تلك الياسمينة تهب للأزقة عطرها المنثور، وكأنها توصي بأن يرافق الجميع، ويتمسح بأثوابهم، ذاك عبير لا يمكنك أن تنساه، وقد زاغى طيفاً يسكن قاع الذاكرة، داعياً إياه أن يحضر للتو، فتنفرج أسارير النفس لجلال ذلك الحضور، مثلما لا تقدر حتماً على أن تمر من هناك دون أن تهبه تلك الشهقة الخارجة من أتون الصدر.. وغداً نكمل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates