بقلم - ناصر الظاهري
حينما عدّ الباحثون والدارسون وسائل الإعلام بأنها الثورة الجديدة بعد الثورة الصناعية لم يبالغوا، ولكن لم يتوقعوا أنها ستغدو أكبر من كل التوقعات، وأن تأثيرها على الناس كسلطة رابعة سيتحرك ويتحول إلى سلطة أهم وأكبر من بعض السلطات الثلاث، كان هذا الكلام في بدايات ظهور وسائل الإعلام في بدايات القرن المنصرم، لكنها اليوم تقدمت خطوات على بعض السلطات في المجتمع، وأصبح تأثيرها أقوى من زحف الجيوش بالطريقة التقليدية، اليوم افتح الفضاء الإعلامي، وسترى كيف يصير الحراك والتغيير والتعبير، وأغلق الفضاء الإعلامي تماماً، وسترى كيف تعيش المجتمعات في ضيق وظلام وتعتيم وجهل بما يدور فيها وحولها.
ولنبسط الأمور بعيداً عن التنظير والتخطيط الاستراتيجي ومعرفة الأبعاد وسبر المستقبل، اليوم.. لو بث لنا الإعلام أخباراً متدفقة، ومتتالية بأن «الجاشع» ناقل للكورونا مثلما قالت الصين: إن السلمون المصدر لها من أوروبا سبب أساسي في الكورونا الجديدة أو تداولت وسائل الإعلام أن «الأرطأ والحمّاض» سبب أساسي لانتقال فيروس كوفيد- 19 في منطقة الخليج، وأن سمك «النيسر المدفأ، وسمك الجسيف المجفف» يعدان من أهم الدفاعات ضد هذا الفيروس، لأنهما يزيدان من مناعة الجسم، ومثبطان قويان لارتفاع درجة الحرارة، «شوفوا كيف الناس بتقوم تذم الجاشع والحمّاض والأرطأ، وأنه في الآخر إلا «مجيجه»! وشوفو كم بيوصل ثمن «الجسيف والمدفأ» عندنا! وسيظهر فجأة مليونير هندي غير هارب بعد، وسيستغل الظرف، ويبيع على السادة المواطنين الكرام الذين لا يستغنون عن «الجسيف والمدفأ» بطبيعتهم، وين إن قالوا لهم إنه أفضل من الكمامة والقفاز في زمن الجائحة «المَنّ» بعشرين ألف «يَنّ»!
وسيتوقع المستثمر الهندي كما ذكرت مصادر مقربة منه، أن يصل سعر «الكرتون» أو «اليونيه» بذيك الحجيه، خاصة أن المنافسة سبقها الاحتكار، الأمر الذي سيجعله يسارع إلى تسجيل شركته الملاحية المختصة بالمالح في بورصة لندن، وهو أمر أشبه بالطُعم لبنوكنا ذات السيولة المتدفقة، وهي المتلهفة حينما ترى الأمور وصلت إلى بورصة لندن، فتفرش له بساطاً من حرير، وسيدرجون معاملاته من دون أي قيود، وحين يبصر السيولة والمعونة من كل حدب وصوب، سيقوم بفتح شركة في «فيجي» مختصة بسمك الزبيدي، وأخرى في البهاما والتشيلي، و«شيلي جان ترومين تشيلي»، ويمكن أن يبدأ بالاستيراد من ساحل «كيرلا ومدغشقر» أنواعاً جديدة أسمن وبـ «حبولها»، باعتبارها من الضمانات المصرفية، لتوسيع نطاق عمل شركاته المتعددة النشاطات، المهم أنه بيدبر نفسه حتى ينكشف أمره، وسيلجأ إلى بريطانيا العظمى حتى ينتسى ذكره! وسائل الإعلام فتحت له فكرة الطريق، لكنها لم تتبعه حتى نهاية الطريق.
لذا الإعلام اليوم وفي الماضي يشتغل على علوم كثيرة، وأفكار عميقة في تخصصات شتى، ولا تكفي فيه المهنية اليدوية، بقدر ما يتطلب الرأس الممتلئ، والفكر الغزير، ومعرفة قراءة الفراغات.