تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة وحقيبة سفر -2-

تذكرة وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

من خلال الأسفار في المدن تأكد لي أن شخصيات التجار تتشابه وتختلف، فالتجار يتشابهون في التعامل مع المال، لكنهم لا يتشابهون في التعامل مع الرجال، التجّار اللبنانيون مثلاً، يتعاملون مع عقلية الزبون الذي تأتي به عيونه، فتجدهم يهتمون بـ«الفاترينات»، بعدها يعمي الواحد منهم عينيك بكيل المديح لبضاعته الصينية على أنها «تلياني، وسينييه، ورافينيه»، أما الليبي والجزائري فدكانه مفتوح، وقَلّب بنفسك على حوائجك، والرزاق والأرزاق على الله، أما اليمني خاصة في «سوق الملح»، فيشعرك أنك أنت الكسبان دائماً، أما التونسي فيقدم ثقافته، واطلاعه ثم بضاعته، فيكسب ودّك، وتشتري، أما ألطف بائعة فكانت روسية عجوزاً في ناصية مهملة في شارع «أربات» الفني بموسكو، تلك العجوز باعتني مرة عسلاً أيام الخير وجهد الكادحين، والبروليتاريا الرثّة، وزادت في الكيل والميزان، وانتقته لي، وكأنه لولدها العائد من الغياب السيبيري البعيد للتو، فأردت أن أكرمها بلا حساب، فأحرجتني برد نقودي، وكادت أن تسقط من عينها دمعة باردة.

يضطرك السفر للتعامل مع فئات كثيرة من الكسبة والمتربصين والباحثين عن التنفيعة والسبوبة أو كما يسمونها هم «لقمة العيش»، فصادفت بائع الوهم، والسمسار المتأنق، ذا السيجار الكذّاب، وسمسار الأرصفة المتصيد للغرباء، ومؤجرة الشقق المفروشة التي تركها الليل وحيدة بسمنتها المفرطة، وتاجر التجزئة الإيطالي الذي رأسماله النصب، والبضائع المسروقة، ومتسولي الطرقات والأماكن العامة الذين يبيعون لك أمراضهم، وأوجاعهم التي لا تنتهي.

في المقابل صادفت فنانين يتاجرون بشقاء أصابعهم وألوانهم، وكانوا صادقين وأمناء في البيع، ويكادون يستأمنونك بنظرة من عيونهم على لوحاتهم الهاربة.. بائع الورد الذي لا يعرف الحزن، وموسيقيين ينشدون أحزانهم، وقصص حبهم الفاشلة، يحاولون بيعها على الأرصفة، وفي عجلة أقدام المارّين بدريهمات سياحية بخسة، فقط لكي يتخلصوا من بعض ثقلها الرابض على القلب، لكن لا تنسى في ذلك الخضم، أعمى كان يبيع الخردوات في إسطنبول، تنتقي ما تشاء منها، ويأخذ هو من يدك ما يكفيه، وذلك الأعمى الآخر الذي يبيع كلماته، فقط لأنه كان يريد أن يرى الربيع تلك السنة.

من الظرفاء الذين تذكرهم، ذلك البائع للـ«إنتيكات» القديمة، حينما حلف على جفنة من نحاس، أن «نابليون بونابرت» توضأ منها حينما أسلم في الأزهر إبان حملته على مصر، وبائع آخر كانت أغراضه كلها منهوبة من قادة التاريخ في آخر معاركهم الخاسرة أو قبل انكساراتهم الفاصلة.

بين المشتري والبائع ثمة لذة للمساومة أو المكاسرة، والجميع يفرح بتلك اللحظة للانتصار، لذا هناك قول إنجليزي: «كاربت بزار» أو سوق السجاد، فلا يمكن أن تظهر منه رابحاً، لأنك مهما خصمت من أسعارها، تظل مغلوباً، لكنه الشغف يحضك على الشراء، وهم يعرفون من قبل قيمتها في عينيك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:01 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 19:17 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 18:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:54 2019 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:09 2015 السبت ,25 إبريل / نيسان

"سوني" تكشف عن مميزات هاتفها "إكسبريا زي 4"

GMT 23:38 2013 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تباين أسعار خدمات المطاعم خلال رمضان

GMT 11:24 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أجمل الوجهات السياحية في شتاء 2020

GMT 14:48 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

"Mother of Pearl" ترفع شعار تقديم الملابس المسائية صديقة البيئة

GMT 06:14 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوي كارداشيان تظهر بإطلالة جريئة باللون الأصفر النيون

GMT 05:01 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المنتخب الوطني تحت 19 عامًا يواجه طاجيكستان في كأس آسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates