المقاطعة حرب قديمة جديدة

المقاطعة حرب قديمة.. جديدة

المقاطعة حرب قديمة.. جديدة

 صوت الإمارات -

المقاطعة حرب قديمة جديدة

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

أصبحت المقاطعة اليوم سلاحاً تحارب به الدول، وهو سلاح فعّال يعمل ببطء، لكنه ينهك جسد أي دولة على مر السنوات، قد يكون نوعاً من التعذيب الاقتصادي والسياسي اليومي، لكن لا نستطيع أن نجزم بالقول إن المقاطعة -والحصار نوع منها- تطبق بشكل صارم، لابد من ثغرات شتى، وحيل يلجأ إليها المهربون، وأغنياء الفرص أو الحروب الباردة، ولعل أكبر حصار مارسته أميركا على كوبا الصغيرة، القوية بقومها وثورتها وقائدها المناضل «كاسترو»، فاعتمدت كوبا في حصارها، ونقص الموارد فيها على أصدقائها من المعسكر الشرقي، وتوقفت المواصلات واستعاضوا عنها بالدواب، غير أن الشيء الوحيد الذي لم تقصر فيه كوبا بحق شعبها خلال الحصار، هو التعليم والتعليم العالي، فقد ظلت الموازنات عالية، رغم قلة الصادرات، وشح المصادر، وفازت كوبا بالرهان، وبفرق من أبنائها في شتى الاختصاصات العلمية والاقتصادية والفنية والرياضية، والكوادر الطبية، وفي التاريخ القديم كان الذي يفعل ويؤثر في نهاية المعارك، هو الحصار، ولعل مدينة القسطنطينية «إسطنبول» ومدينة عكا و«ستالينغراد»، وحصار «كانديه» في كريت اليونانية من قبل العثمانيين، والذي استمر 21 عاماً، من أشهر حصارات المدن على مر التاريخ، والتي أبدت فيها تلك المدن مقاومة مستبسلة لضرب ذلك الحصار الذي حولها.
المقاطعة اليوم والدعوة لها ضد بعض الدول التي تخرج عن الإجماع الدولي في القضايا الإنسانية، والمبادئ الأساسية لقيم الخير والحق والجمال، وتنتصر للإرهاب ومحاور الشر، هي دعوات سلمية، وتقدمها الدول قبل شن الحرب التي يحاولون أن يتجنبوها منعاً للكوارث، غير أن المقاطعة هي في الأساس عامل سياسي، وتحركه السياسة، وتضارب المصالح والمنافع الوطنية، وأحياناً تفتعلها بعض الدول لخلق عدو خارجي، مقابل إسكات المارد والتمرد الداخلي نتيجة فشل بعض الأنظمة وسياساتها، وإخفاقها في إسعاد شعبها، وهي فرصة لمزيد من الفساد، والغنى العائلي والطائفي في تلك البلدان التي تعيش خارج الوقت، ومنطق سيرورة التاريخ، وهناك مقاطعات مفتعلة نتيجة ردة فعل شعبي نحو قضية من القضايا التي تمس القيم والرموز الوطنية والدينية أو تمس كيان الوطن، وقد رأينا ذلك في محاولة مقاطعة منتجات الدنمارك في مسألة الرسوم المسيئة للرسول الكريم عليه أفضل السلام، وأكرم التسليم، ومحاولة خلق تيار جديد لمقاطعة فرنسا اليوم بعد التصاعد الخطير الذي غذته بعض الأنظمة والجماعات الدينية المتطرفة، وأدى إلى قتل مدرس التاريخ الفرنسي على يد شيشاني مسلم، لكنه مولود في فرنسا وتعلم فيها ولا يعرف الشيشان قدر معرفته بفرنسا وارتباطه بها، وهنا تكمن العلّة التي لا تعرف فرنسا وأوروبا وحتى أميركا وبريطانيا حلّها، ثم ردة الفعل الفرنسية التي جاءت ربما بطريقة غير مدروسة، وانفعال «ماكرون» السياسي مما أجج المسألة، وعقّد الأمور، وعلينا أن لا نغفل عمن يريد أن يعبث في الساحة الأوروبية، ويغلي صدور الأوروبيين على المسلمين، خاصة الموجودين على أرضها، ولعل هنا نشير لأصابع تركيا ونظامها، وحركة الإخوان المسلمين في إذكاء نار هذه المسألة الحساسة، وخلق فوضى تعم الأرجاء، ولعل ألمانيا وفرنسا أكثر الدول مهيأة لمثل تلك الفوضى بحكم وجود المسلمين بكثرة على أرضيهما، وبحكم أنهما الثقلان الأساسيان في المعادلة الأوروبية بعد خروج بريطانيا ذات النظام السياسي والاجتماعي المحكم، والتي لا تهزها أي فوضى أو أي إرهاب أو دعوات بالمقاطعة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المقاطعة حرب قديمة جديدة المقاطعة حرب قديمة جديدة



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates