الهوس بالأعداء

الهوس بالأعداء

الهوس بالأعداء

 صوت الإمارات -

الهوس بالأعداء

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

بعض الشخصيات غير السوية، لا يمكنها أن تعيش وتتنفس إن لم يكن في تفاصيل حياتها اليومية أعداء، بأي شكل، ومن كل شكل، ينتقون أعداء لا حيلة لهم في هذا الاختيار، فقط لأنهم الأضعف بالنسبة للطرف الآخر غير السوي، لذا ينصبون أعداء بالجملة، ليضفوا على حياتهم المريضة لذة الانتصار، وشغف الانتقام، والتمتع بالحالة، هؤلاء المرضى عادة ما يهوون العيش مع أعدائهم، ويتكاثرون بفضلهم، ولا يمكنهم أن يعيشوا يوماً دون أعداء، فهم في بحثهم المتواصل في الحياة إنما يبحثون عن أعداء، أكثر من البحث عن أصدقاء، وإن ظفروا يوماً بصديق، فسرعان ما يحولونه بتصرفاتهم وطبيعتهم العدوانية إلى عدو لا يدري ما هو ذنبه، ولِمَ وضع في تلك الخانة؟ 

هؤلاء المرضى إنما هم أعداء لأنفسهم باطنياً، وإن لم يدركوا ذلك، وإذا لم يحفل أحد بعداوتهم أو لم يجدوا عدواً يعترف بهم كأعداء مقترحين أو يكترث بتصرفاتهم، وعدهم جهلاء أو بهم شيء من الحمق، تحولوا إلى عداوة النفس ظاهرياً، فيعمدون إلى أذى الجسد، وتخريب الروح بشتى الوسائل حد التدمير، وحين يوهن الجسد، وتختل الروح يعيشون في دوامة أن هناك أشباحاً من الوهم، ومن الأعداء المتسترين يتربصون بهم، ساعتها يظهر الشك عندهم لكل الناس من أقرباء أو غرباء، فالجميع يريد منهم شيئاً، وليس لديهم أصدقاء حقيقيون يأتمنونهم، فيتحولون إلى عداوة الذات.
هؤلاء المهووسون بالأعداء يصبحون في فترات من حياتهم بعد تعبهم وضجرهم وفي آخر عمرهم، وفي فترة التقاعد عن الشر والعداوة المباشرة إلى العداوة بالإنابة، فتجدهم محبين للفرجة والمشاهدة، يخلقون مشكلة بين الناس ليستمتعوا برؤية المتخاصمين وخلافاتهم، أو يرسلوا شائعة ويتلذذوا بسماعها على ألسنة الكثيرين، وكيف هي تكبر ككرة الثلج، محدثة كل هذا الحريق بين الناس، وفداحة الضرر فيهم وبينهم.
يتخذ هؤلاء البشر أسلحة مختلفة لاصطياد الأعداء أو تكوينهم عبر سلسلة من التدابير، فوجوههم لا تعرف الحياء ولا الخجل الإيماني، ورغم ذلك يرتدون في كثير من الأحيان أقنعة، لأن صفة الجبن غير بعيدة عن قلوبهم، وأقرب إلى أرجلهم الهاربة على الدوام.
مهما يكن سبب تلك الحالة التي أصابت هؤلاء الناس، نفسية كانت أو مكتسبة من عائلة أو مجتمع أو من مشكلة تعرضوا لها، فإن علاجها لا يبدو سهلاً، فحب الانتقام يظل يكبر كل يوم وبطرق مختلفة، لذا لابد من وجود عدو ظاهر أمام العين دائماً ليحاربوه أو يتعاركوا معه والغلبة عليه، وإن لم يحالفهم الانتصار، تحولوا إلى الحرب الباردة من الغيبة والنميمة والإشاعة، وإن لم يكن ذاك العدو ماثلاً أمام الوجه، بحثوا عن عدو متخيل، يمكن أن يكون مديراً أو شخصية سياسية عامة، أو زميلاً في العمل، أو مخالفاً لهم في الرأي والفكر، لذا فهم يستمرون في التحفز والتربص والقلق الدائم ليعيشوا الحالة التي يحبونها، وتجعلهم في توازن وإن لم يكن «توازناً إيجابياً»، ولكنها مبعث للرضا عندهم، هم أناس لا يحتملون أن يعيشوا من دون أعداء مثلما هم الناس العاديون لا تستقيم حياتهم من دون أصدقاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهوس بالأعداء الهوس بالأعداء



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates