بقلم - ناصر الظاهري
جميل أن نطور من حالنا، ونحسن من أحوالنا، ونتسابق على عصرنة أجهزتنا، وتحديث مؤسساتنا، كل ذلك لنركب موجة التحضر، ونستطيع أن نتواصل مع غيرنا من الأمم المتقدمة، ولكي نيسر أمور الناس، ونسهل عليهم مشاق المراجعات والوقوف في الطوابير، ونحل قضاياهم في أسرع مدة زمنية ممكنة، حفاظاً على وقتهم، وتبسيطاً لكل ما هو بيروقراطي وروتيني، ويجلب المحسوبية، ويمكّن الرشوة، وتحدث التجاوزات.
تلك كانت استهلالة لحديث اليوم، والذي ينصب على خدمات الحكومة الإلكترونية التي لا يمكن أن نقول عنها إلا أنها خطوة حضارية، وقفزة بعيدة إلى الأمام، لكن البعض من المسؤولين لا يفهمون هذه النقلة في المعاملات، فيعتقدون أن السبيل الإلكتروني والرقمي هو الصراط المستقيم، لا يغلط، ولا يمكن التلاعب به، ولا يظلم الناس، ولا يتعرف على فلان وابن علان، الجميع عنده مراجعون، ويستحقون الخدمة حسب الدور، أيضاً هذه النية لسنا ضدها، ولكن ضد الأشخاص الذين يسعون دائماً إلى تعقيد الأمور، ووضع العصّي في العجلات، فقد عملت جولة في بعض مؤسساتنا وأماكن تقديم خدماتها المتعددة في المراكز التسويقية الكبرى، وفي الأحياء المكتظة بالناس تيسراً وتسهيلاً لقضاء حوائجهم، لكن ليس كل واحد بمقدوره أن يدخل على الخدمات الذكية وينجز معاملته، فبدلاً من مبنى البلدية المهيب يفضل أن يذهب إلى «مول» بارد، وينجز معاملته، ولو دفع قليلاً من المال، لأن الكثير ينشد راحته، وتوفير ساعاته، فيصدم أن بعض هذه المراكز مغلقة منذ فترة، لكنها مفعّلة على المنصات الذكية، وبعضها حين تدخلها يقولون لك: مهمتنا الوظيفية اليوم أن ندلك على المنصات الإلكترونية لإنجاز عملك فقط، فلا صلاحية لدينا لعمل المعاملة يدوياً، فتهز رأسك وتقول من العجب: ولكنكم نفر كثير، والناس مزدحمة، وفيهم الرجل الذي تعليمه على قده، والمرأة التي لم تحظ بتعليم حديث، وهناك المتقاعد القديم، وهناك أناس تلفوناتهم «مال أول» ولا فيها حبة ذكاء، وهناك أصحاب الهمم، وهناك رجل شائب يسحب معه ابنه السمين، والذي يبدو أنه من عينة الذين يرسبون في الإعدادية أكثر من مرة، وأبوه يلومه دوماً، وقد وصلت بهم المسألة إلى حدها، حين قال له: إنه لا يعرف من الكمبيوتر إلا الألعاب، ولا يدبر نفسه بالإنجليزي، وخسارة الطلعة معه، لأنه لا يفيده، ولا يعينه، فزاد من ارتباك الابن، وظل عالقاً في الدائرة الإلكترونية.
كان المكان أشبه بمسرح، ولكل شخص قضيته، ويتوجع من مسألته، والموظفون في وضع التكتف، وهز الرؤوس، وحالهم يقول: ما باليد حيلة! نحن ضمن الدائرة الإلكترونية، ولا سبيل للكثيرين أن يدخلوها بذكاء اصطناعي.. ودمتم.