بقلم - ناصر الظاهري
في مدينة سمرقند، حيث مرقد «تيمور لنك» أو «كورأمير»، أدهشني ذاك الطراز المعماري المذهل، وتلك الألوان الفيروزية التي تعطي هيبة للمكان، ولكن ما أدهشني أكثر تلك الوصية التي طلبها ذاك القائد الجبار، وهي أن يدفن معلمه في مرقده ذاك الذي يضم بعضاً من أولاده وأحفاده، وأن يكون قبر «تيمور لنك» عند قدمي معلمه «مير سعيد بركات»، لقد أكبرت ذاك القائد الذي أرعب العالم خمسين عاماً، وأكبرت تلك اللمسة الإنسانية النبيلة، وتطرأ عليّ كلما تذكرت فعلاً سامياً ونبيلاً.
عدت بالذاكرة لتلك الزيارة حينما قرأت كلمات التعزية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لمعلمه في الصفوف الابتدائية «إبراهيم جاسم بوشعر»، وتكليف سفيرنا في البحرين أن يقدم واجب العزاء نيابة في مجلس العزاء لأسرته وذويه، عرفاناً بالجميل، وذكر المعروف.
ولعل قصة المعلمين البحرينيين الذين جاؤوا مبكراً لأبوظبي والعين في النصف الثاني من الستينيات، وقاسوا معنا الشدة، وشظف العيش، والأيام الصعبة، حكاية تروى، حيث أرّخ صديقي «بدر عبد الملك» في كتابه «أبوظبي.. قصة مدينة»، تفاصيل يومية عن بعثة المعلمين في أبوظبي في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، والذين كانوا يسكنون في بناية لـ «ابن صبحا»، ويتوزعون في الصباح على مدارس أبوظبي القليلة آنذاك، مدرسة الكندي، ومدرسة محمد بن القاسم، وأعتقد مدرسة الفلاح أو الفلاحية، أما في العين، فكان المدرسون البحرينيون منقسمين بين مدرسة النهيانية، ومدرسة مالك ابن أنس، وفي العصر مدرسة عمرو بن العاص، كان أهم ما يميز أولئك المعلمين أنهم الأقرب لنا لهجة وثقافة وطباعاً، وقد تمكنوا من كسر الحاجز بين المعلم المتزمت، وطلاب جدد على المعرفة، وفك الحروف، وفيهم بقايا من غلظة الصحراء، بارتداء معظمهم تلك الكندورة والغترة، وكأنهم أحد من الأهل، إضافة لتلك الطيبة التي يتميز بها البحرينيون دون سواهم، فأحدثوا علاقة مختلفة، وقدروا أن يروضوا أولئك الطلبة الذي كان البعض قريباً في العمر والجسد منهم، بالرياضة والفن وفرق الأشبال والكشافة والجوالة والمشاركات الاجتماعية، وتعلم الزراعة، وبداية النجارة، ومهن كانت بعيدة عنا، ثم العلم، كل تلك الأشياء الجميلة لكي يغرسوا العلم الذي لم يكن طريقه سهلاً، وثقيلاً على بعض النفوس.
المعلمون البحرينيون الذين صنعوا ضجيجاً جميلاً في الرأس، أذكرهم، وأذكر زمنهم الجميل، وأذكر أنهم صنعوا فارقاً في المسألة التعليمية، وأذكرهم، آملاً أن لا تخونني الذاكرة التي بدأت في المشيب: يوسف الأنصاري، خليفة العريفي، محمد الشايجي، علي المحميد، علي غزال، عبدالله عباس، يوسف سعد، وأخوه رمضان، وعبد الملك الحمر، ومحمد الشروقي، ويعقوب مندي، وعلي المالود وأخواه مطر ومجيد، ومحمد يس، وبو مجيد، وآخر أتذكر اسمه فقط سعيد، كان أسمر اللون، ويرتدي دائماً نظارة شمسية، وآخرون كثر، وقد شاركت المعلمة البحرينية في النهضة التعليمية بالعديد من المربيات الفاضلات، لهم جميعاً كلمة شكر، وقبلات على جباههم الشريفة.