بقلم - ناصر الظاهري
خلال التجوال في مدن العالم يصادف أحياناً احتفال مدينة بعيد من أعيادها، وأحياناً تتقصد السفر إلى مدينة بعينها، في وقت محدد، لأنك ترغب في مشاهدة طقوس عيدها المشهور، هذه الأعياد السنوية في المدن المختلفة، كثير منها قديم ومرتبط بحكايات وأساطير، وأخرى مرتهنة بحوادث تاريخية، سواء أكانت سارّة أو حزينة مرت بها الشعوب، غير أن الكثير من الأعياد مرتبط بتوقيتات دينية أو توقيتات فلكية أو مرتبط بمواسم الزرع والحصاد، فالزائر لبلدان وسط آسيا، والتي تمتد ثقافة بعضها ولغتها إلى أصل فارسي، يجد احتفالات عيد «النيروز» أو «النوروز»، ومعناه اليوم الجديد، ويأتي في الأسبوع الثالث من الشهر الثالث من السنة، وهو احتفال برأس السنة الفارسية والكردية، ويتواءم مع قدوم الربيع، وهو يختلف فقط في التفاصيل وما يقدم من مأكولات عن عيد النيروز الإيراني، وفي الهند هناك عيد مشابه له في الاحتفاء والزهو بالألوان هو عيد الألوان «هولي»، حيث يتم نثر الألوان التي تسمى «غولال»، احتماءً من أمير الشر الذي يجمع الناس في محرقة كبيرة، وفي سنغافورة النظيفة جداً، شهدت مرة، مع بداية الاحتفال بالسنة الصينية، عيد حرق النقود، حيث تسمح السلطات يومها للناس بتدنيس الشوارع، ورمي الأوساخ بحرق الأموال الورقية المقلدة، لجلب الحظ، وطرد الشر، دون أي مخالفة مالية أو مخالفة اجتماعية مهينة، كأن يؤمر المخالف بكنس الشوارع في بث تلفزيوني مباشر للناس، وفي جزيرة «بالي» حضرت احتفالاً غريباً، وهو «عيد الصمت»، حيث يقبع الناس في منازلهم للتأمل والتفكر والتدبر، وحرق تماثيل المعابد، ومن أجل احترام هذه المناسبة القمرية تجبر السلطات السياح الأجانب على المكوث في الفنادق، وعدم إثارة أي ضجيج أو أي أصوات عالية حفاظاً على قدسية صمت السكان، وخلال إحدى زياراتي لمدينة زيوريخ السويسرية شتاء استمتعت بعيد وداع الشتاء «سيشيتلوتن»، حيث يركز مجسم ضخم مصنوع من القش على هيئة رجل الثلج «بووغ»، ويبدأ الناس في إشعال النار تحته حتى يحترق بالكامل، وتقاس مدة الاحتراق بالدقائق، وعليه يمكن أن يعرف الناس ماهيّة الصيف المقبل، كيف سيكون حاراً أو معتدل الحرارة، بعدها يحتفلون بولائم الشواء الخارجي إيذاناً بانتهاء فصل الشتاء، وذوبان الثلوج. والأعياد في أوروبا عادة ما تكون مصحوبة بأنواع معينة من الأكل والشراب، وتجد بعض الأهالي يتحولون إلى باعة لمثل هذه الأنواع من الأكل الشعبي والمشروب الخاص بهذه المناسبة، مثل «السوسج» السويسري، والنبيذ الحار والساخن، أما مدن إسبانيا فلكل منها عيدها، بعضها أعياد لها صفة دينية تاريخية، مثل ذكرى محاكم التفتيش، وخروج العرب والمسلمين من الأندلس، حيث تجرى المراسم والطقوس والمظاهر المسرحية لهذا الحدث، وبعض الأعياد الإسبانية الأخرى لها ميزة اللهو والضحك، مثل «عيد الطماطم» الذي يقام يوم الأربعاء الأخير من شهر أغسطس في مدينة «بونول»، وعيد إطلاق الثيران الهائجة في مدينة «بامبلونا» في شهر يوليو، وهو ما يعرف باحتفال «سانت فرمين» والذي ألغي هذا العام بسبب الجائحة.. وغداً نكمل