بقلم : ناصر الظاهري
مرات المواطنون دمهم خفيف، ولا يحبون أن يفارقوا البساطة التي جبلوا عليها، ويمقتون التعقيد أو التظاهر أو المبالغة أو على حد تعبيرهم: «لا تتفلسف علينا»، يعني مثلاً من الأمور التي تنفرهم من الشخص، يكون واحد توّه واصلاً من أمريكا، ودارساً هناك، ولاقطاً جملاً من الشارع والأماكن المزدحمة ليلاً، ويريد أن يختبرها هنا، رغم أنها ليست في وقتها ولا مكانها، فما إن يسمعوه يرطن بتلك «المخلفة»، تاركاً عربيته، حتى تجدهم ينشّون له نشّة رجل واحد، والكل ينظر إلى يرعبته، يريدون يقتلعوها أو يعيدوها إلى لكنتها الأولى، وحالهم يقول: «أوّنه أفرنجي.. ما واحا له».
شركة من هذه الشركات الزجاجية التي تتعمد أن تتعامل مع الناس على أنهم مقامات مادية بحتة، وكل أمورها تدار باللمس، والمدير لا يفارق يده «ماغ» القهوة الأمريكاني التي يتزعمها غصباً عنه، وإلا هو في حقيقة أمره تجده يحنّ لل«شاي الينزبيل» أو «كرك» محيي الدين، والسكرتيرات لا يعرفن ماذا يفعلن بالضبط في تلك المكاتب الرخامية، غير: المدير في اجتماع، أو بشكل أصح: «المنجير في ميتنك» أو مسافر في عمل، ثم يبحثن عن حقائب ماركات مقلدة تباع عبر الإنترنت بأسعار زهيدة، هذه الشركة تبيع عقارات، ويأتي المواطن شرّاء، ولا في أذنه ماء، ومن تبدأ الشركة تطلب منه تعبئة الأوراق أو إرسال البيانات الشخصية أولاً عبر موقعهم على الإنترنت، ثم إن مدير المبيعات سيحدد له وقتاً معيناً أو يطلبون منه التريث لأن عليهم ضغط «كتير.. كتير»، تسمعه يقول: «طبّهم.. هاذيلا مب مال بيع وشراء، وإلا تجارتهم بايرة، وإلا يريدون يتخككون علينا، وخلاف ما تلقى إلا يديك والخلاء، هاذيلا مال «صبّة كنكريت»، وبعدها يهربّون فلوسك، ويلعبون بها في بانكوك».
شخص يدخل عليهم، وهو يتحدث عن إستراتيجية محورية، وعن منظور اقتصادي ذي دخل مطرد، ويفتح لهم «البروجكتر»، ويؤشر بإضاءة «الليزر» على صفحات بيانية معروضة على الشاشة، وأسهم صاعدة، وأخرى متعرجة، وأشياء تشبه البراميل الممتلئة، وبألوان مختلفة، خاصة البرميل البنفسجي منها، فتجدهم يظلون يطالعونه، ويطالعونه حتى يشبعون منه، وبعدها يهزون رؤوسهم، وهم يرددون: «أسمع الخريط عاد.. كلام مجمع تعال وأسمّع، والله يا هذا ما تلقى في مخباه الحين ألف روبية».
ومن الذين لا يثقون فيهم أولئك المبالغون في الحديث، والمضخمون الأفعال والأقوال، فما إن يبدأ أحدهم ويقول لهم إن اسمه «محمدين»، ويتبعها بجملة زائدة، «إن شاء الله»، قالوا: هذا وبعدنا ما بدينا، إذا اسمه «دبل»!