تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة وحقيبة سفر -1-

تذكرة وحقيبة سفر -1-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

في بدايات السفر الأولى، وعندما كانت لدينا تلك النزعة التدينية التي كانت سائدة في أواخر السبعينيات والثمانينيات، وما توارثناه من نصوص كانت جازمة بالنسبة للمأكل والمشرب، والتعمق في الإرث العربي والإسلامي القديم كتنشئة أولى، كانت المعضلة الأولى لنا، كيف يمكن أن نتدبر الأكل في تلك الأماكن الجديدة، خاصة وأيامها، أيام فقر في المطبخ عندنا، ولم نتعرف على الأكلات العربية أو الأجنبية الوافدة، يعني الواحد كان أقصى شيء جديد تذوقه أيامها «برغر ويمبي» في بداية شارع حمدان، أو «شاورما أبو علي» في منتصف ذاك الشارع، أو تخبيصات من أكل الهنود المقلية بجانب سينما المارية أو الفردوس أوالخضراء أو في مطاعم أشبه ما تكون مطاعم عمال كادحين، وحدهم الزملاء الذين كانوا في المدارس العسكرية تذوقوا أكل «البندره أو كانتين الجندي»، لذا كان يتقمصنا نوع من الخوف التاريخي في سفراتنا الأولى من أن نهلك جوعاً، خاصة ومعظمنا «يجَزّ من أكل الغربتيه»، ويخاف بأثر رجعي من تلك الروايات الشعبية التي كنا نسمعها أن الآخر يتفل في طعام المسلم أو يكون غير مسميّ عليه، فيأكل الشيطان معنا، وغيرها من خرافات القديم، لذا كنا نتَحَيْدّ بـ «مقفلات» سح وحلوى وخبز يابس وعلب أجبان بعينها نعرفها، كل ذلك خوف القطيعة، والاطمئنان على نقاء السريرة، والبعد عن المُحَرم، واقتصاد في المصاريف، وأيامها لا أحد يسأل ماذا تحمل في حقيبة السفر من زاد وتمر، ولو كانت «بيب مالح أو عوال يابس»!
بعضنا حين كبر تمرد على كل تلك الأشياء، وظل يجرب ما كان حارماً نفسه منه، بعضنا ظل شبه الخوف يسايره، وكل خوفه أن يغشه أحد، ويلطم لحم خنزير بشراهة، كاشتهاء التفاحة المحرمة، والبعض الآخر ما زال ضميره يؤنبه حين يرى قطعة «ستيك» دمها على خدها أو طبق مشوي بذلك الشعيل العنبي، ويظل يسأل، ويتأكد، ويطلب منا أن نحلف برؤوس أمهاتنا أننا لم نغشّه، الآن.. ولأن الإنسان عبد ما تعود، حين يدخل أحدنا مدينة في أقصى الشمال الأوروبي البارد أو مدينة في أطراف الصين، وتتراءى له بعض الإشارات التي تبدو مطمئنة للنفس القلقة على الدوام، مثل إشارة مطعم أو مقهى يعرفها، تهدأ النفس المتحفزة، فجأة يستسلم كأي صبي خصوصاً عندما يدخل مدناً لا يجيد لغتها، ولا يستساغ أكلها، لذا إشارة المطاعم السريعة بألوانها الحمراء والبيضاء أو الزرقاء أو الصفراء تجعله يهدأ قليلاً، ويتوقف اضطراب البطن، وحركة الأمعاء الغليظة، ويطمع ويتمنى لو يجد بالقرب منها مقهى يقدم القهوة الأميركية بشعار البنت الفاردة شعرها، ومزينة بالتاج، هكذا يستريح، ويضمن قهوة الصباح التي يشربها على مهل وبكسل، ويطيب له عدم التشتت والحيرة أو سؤال الناس أو المخاطرة بأكلة دانماركية أو ألمانية لا يعرف من أين سُلخت، وكيف قُلبت وطُبخت؟ وغداً نكمل...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:01 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 19:17 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 18:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:54 2019 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:09 2015 السبت ,25 إبريل / نيسان

"سوني" تكشف عن مميزات هاتفها "إكسبريا زي 4"

GMT 23:38 2013 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تباين أسعار خدمات المطاعم خلال رمضان

GMT 11:24 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أجمل الوجهات السياحية في شتاء 2020

GMT 14:48 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

"Mother of Pearl" ترفع شعار تقديم الملابس المسائية صديقة البيئة

GMT 06:14 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوي كارداشيان تظهر بإطلالة جريئة باللون الأصفر النيون

GMT 05:01 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المنتخب الوطني تحت 19 عامًا يواجه طاجيكستان في كأس آسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates