الجهل ثمنه غال

الجهل ثمنه غال

الجهل ثمنه غال

 صوت الإمارات -

الجهل ثمنه غال

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

سُئلت المستشارة الألمانية «ميركل» لماذا ألمانيا جل ميزانيتها تذهب إلى التعليم والثقافة والفنون وشتى المعارف الإنسانية، وأن رواتب المعلمين والمفكرين والمبدعين عالية عن بقية المهن الأخرى في ألمانيا؟ فقالت: ببساطة لأن تكاليف الجهل عالية جداً!
في الدول النامية، والتي قاربت تنميتها على السبعين عاماً من الاستهلاك اللغوي، والأناشيد الحماسية، وزَبَد الخطابات السياسية الرنانة، وقد تصل للقرن قريباً، وهي تراوح في وحل التنمية غير الواعية، والكاذبة، مصرّة على أن تبخل على العلم، وتصرف بسخاء على الجهل، فراتب المعلم في تلك البلدان يعادل ربع راتب هَتّيف الحزب الذي يكتفي بهتاف واحد في الشهر «بالروح بالدم، نفديك يا زعيم» أو المصفّق في الخطابات الرسمية، والذي يزرع في وسط الجمهور ليقود عقلية القطيع في التصفيق، رغم أن الزعيم الأوحد بدأ خطبته البتراء دون البسملة أو الصلاة على النبي، مقدماً عليهما جملة: «شعبي العزيز»، لكن هنا تأتي مهمة قائد أوركسترا التصفيق المندس بين الحشود، فيطرق تلك الصفقة التي تشبه صفقة البحّارة القدامى عندنا، فيلهب الصالة، ويتبعه الحضور الكريم فيما يعرف بعقلية القطيع، ومن يجسر أن لا يصفق حينها؟ لأن هناك رقيباً راتبه أكثر من راتب المبدع بأضعاف مضاعفة، مهنته الوحيدة في الحياة تسجيل أسماء من لا يصفق في خطبة الزعيم، وهكذا ترانا ننقص من ميزانية العلم، لصرفها على الجهل، ونبخس العلماء والمفكرين والمبدعين، ونجود على المخبرين والوشاة والدجالين، رغم أن العلم تكلفته قليلة وفوائده جمة، والجهل تكاليفه عالية، وخسائره مدمرة، والعرب كانت تقول حين كان للعرب تلك العزة والريادة: العلم تضرب له أكباد الإبل أو آباطها، ويقصدون في طلبه ولو في الصين، وهو فرض من المهد إلى اللحد، وكانوا يزنون ثمن الكتاب ذهباً لقاء تأليفه أو ترجمته.
تعالوا نحصي ثمن الجهل وما أوقعنا فيه خلال نصف قرن فقط، نتيجة تولي غير الواعي واللا المسؤول، ومن يتبع أجندة سياسية أو مصالح ذاتية نفعية في المواقع والمناصب، وتراجع «الانتليجنسيا» أو النخب المثقفة في المشاركة الفعلية في سيرورة المجتمعات، وتقدم الأشخاص المؤدلجين والتيارات الإسلاموية والنظم الثيوقراطية، وسيطرتهم على أجهزة بث الوعي مثل التربية والتعليم والمعارف والإعلام والبعثات الخارجية، وتمكين الصف الثاني منهم في مسك مفاصل الحياة اليومية والدورة الاقتصادية، وبعد ثلاثة عقود ظهر الإرهاب، وظهرت النعرات الدينية والطائفية، وتراجع الولاء والانتماء للوطن، وحلّ محله الولاء لأمير البيعة، وللمرشد، ولقائد الجماعة، ظهر المخوّنون لأي مشروع وطني نهضوي، وظهر المصنّفون لأي مثقف يدعو للتفكير بدلاً من التكفير، وظهر المتباكون على المشاريع القومية، والفاسدون الآكلون المال العام، وظهر المتلوّنون، نحن معك في حضورك، ضدك في غيابك، وظهر «الكفاحيون» الذين ينادون بتحرير الأرض من عواصم أوروبا، ولياليها الساهرة، ويقدمون أبناء الشعب فدية لأبنائهم الدارسين في الجامعات الغربية، وهم أصحاب نظرية «الفدائي في الميدان أو المخيم أو الداخل، والقائد في فيلا عامرة أو شقة واسعة، أو في مسكن محصن في الخارج»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجهل ثمنه غال الجهل ثمنه غال



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates