بقلم - ناصر الظاهري
في حين العالم متوحد تجاه جائحة تهدد الإنسانية، وقد هدأت قليلاً موجات الإرهاب، وتقلصت الجريمة في كل مكان، يصر البعض أن يخلق ذلك التوتر من لا شيء غير الدعاية السياسية الفاترة، وغير اللعب بأوراق يعرفها أنها خاسرة، بغية توجيه الأنظار عن قضايا داخلية ملحة، ومشكلات اقتصادية تكاد تعصف بالعملة المحلية، هذا هو ما يحدث مع «أردوغان» بإعلانه تحويل ذلك المكان الديني الذي تناوبت عليه الحياة وحروبها وأطماع القادة فيها بين المسيحية والإسلام، حتى تم تقسيمه بكل مظاهره إلى تجمع يتمازج فيه الطابع الكنسي وطابع المساجد، وأصبح معلماً سياحياً وإرثاً يجب المحافظة عليه، ومدرج تحت مظلة اليونسكو للحفاظ على الآثار الإنسانية العظيمة، «آيا صوفيا» لا جديد عليه في خطوة «أردوغان» الأخيرة، فلطالما كان هذا المكان ضحية التعصب من الجانبين، وضحية الجهل حين تسير الأمور، فهل يقصد بها الخليفة العثماني غير المتوج لي ذراع سياسية لأوروبا، لمزيد من الضغوط لقبول تركيا ضمن منظومته، وفي نطاق سوقه التجاري الكبير، ورفع من قيمة الليرة المنهارة؟ لتنظم هذه الحركة مع التهديد بورقة المهاجرين، واللعب بورقة المرتزقة في سوريا والعراق، وليبيا لخلق مزيد من التوتر، واكتساب مساحة سياسية أكثر منها جغرافية، أم أنها دعاية سياسية لكسب ود وعطف بعض العرب والمسلمين، بغية تقديمهم ولاء الطاعة حين التنصيب بلقب الخليفة الجديد؟
«آيا صوفيا»، والتي تعني بيت الحكمة المقدسة، بقيت 916 عاماً كاتدرائية، و481 عاماً جامعاً، وفي عام 1935 في عهد «كمال أتاتورك» تحولت إلى متحف، بداية تشييدها كانت في عهد «قسطنطين» عام 360، لكنها تعرضت للحريق والخراب، ثم أُعيد بناؤها على أنقاض كنيسة قديمة عام 532 على يد «جيستنيان» في عهد قنسطانطيوس الثاني، وسميت في البداية «ميغالي أكليسيا» أي الكنيسة الكبيرة، ثم تحولت في القرن الخامس إلى «هاغيا صوفيا»، أي مكان الحكمة المقدسة، وفي عهد محمد الفاتح بعد فتح القسطنطينية تحولت إلى مسجد، وسميت «جامع آيا صوفيا»، بعد أن اشتراها والأراضي المجاورة لها من حر ماله، وجعلها وقفاً للمسلمين بعد ما كانت كنيسة أرثوذكسية شرقية طوال تلك السنين.
بدأت بوادر تغيير «آيا صوفيا» منذ عام 2014 حينما افترش متظاهرو جمعية «شباب الأناضول» الساحة، وأقاموا الصلاة فيها، وعرفت بحركة «أحضر سجادتك معك.. وتعال»، وقيل بعدها إنهم جمعوا أكثر من 15 مليون توقيع لتحولها إلى مسجد من جديد، فتأجل الأمر، وظهر نفي حكومي بذلك الخصوص، لكن قرار أردوغان مؤخراً حسمها معلناً أن أول صلاة ستقام فيها يوم 24 يوليو هذا العام كمسجد.