بقلم - ناصر الظاهري
مرات تقف تتأمل حضارات الشعوب، كيف كانت في زمنها الغابر، وكيف إنسانها اليوم الذي يقف عاجزاً، مهموماً بثقل التاريخ الذي يحمله، ولا يعرف كيف يتجاوزه، هكذا أبقى متأملاً اليوناني أو البرتغالي أو ذاك الآتي من بلاد فارس، حينما أصادفهم في طرقات مدن العالم، يشعرونك بزهو قدومهم، وثقل تلك الظلال الحضارية التي خلفهم، لكنهم اليوم كصورة مغبشة في المرآة المشروخة!
* بعض الشعوب تجد صوتها خافتاً وهمساً إذا ما خرجوا من ديارهم، وتصرفاتهم أقرب للتحضر المصطنع، وما إن يعودوا لديارهم العامرة حتى يرتفع الصوت، ويبدأون يتصرفون بـ «فهلوة وتشبيح وعنطزة وتعالي»، وكأن حالهم يقول: «تلك أخلاق السفر، و«يَا غريب كن أديب»، أما «في دياري أعمل ما يحلا لي»، جل هؤلاء لا يدركون أن الأخلاق قابلة للتصدير والاستيراد، وتلك أهم مزايا الإنسان الذكي والمتحضر.
* لو أرادت اليوم دولة أن تلوث البيئة، فيما يخص نطاقها؛ نهرها الذي يجري فيها، البحر الذي يحيط بها، الغابات التي فيها، هل يسمح لها العالم أن تفعل ذلك؟ باعتبارها تخص أشياء في دارها، أم يتصدى لها كل العالم، لأنه أمر يضر الجميع، ويضر الأرض، ويضر الموجودات التي عليها، بعض الأمور يجب أن ننظر لها من هذا المنظور الإنساني الشمولي!
* ثمة مهن تاريخية أو هي أبدية أو عابرة للزمان والمكان، ولا تتطلب إلا قليلاً من المسكنة والمذلة، مثل مد اليد أو الشحاذة أو الطلابة أو الطِرارة أو السعاية، مهن تنتقل مع الإنسان، كل شيء يتغير، إلا هي، فمنظر الشحاذ في العصر العباسي، بالتأكيد لا يختلف كثيراً عن الشحاذ في عهد كافور الإخشيدي، عن شحاذ عصر النهضة، عن شحاذ غجري يجوب شارع الشانزليزيه اليوم، فقط ما يميزه أنه يخبئ جهاز «آيفون» في جيبه، ولا يرضى بقصعة تمر، إنما يرضيه اليورو فقط!
* من تسمع الإنجليزي يقول لك: «Sorry, I didn’t follow you»، أعرف أنه «لوتي»، وسمعك زين من أول جملتك المفيدة، لكنه يريد يشكك في قدراتك، وأنك يمكن أن تغير الموضوع لصالحه، خاصة إذا كان الموضوع فيه أرقام تجفله أو يمكن تمس جيبه، لأن الإنجليزي عند ذكر الفلوس يصيبه الصمخ، ويريد أن يتعالى «ببلاش»!
* لا أدري ما هو موقف العربي الشهم بالضبط إذا ما أتته واحدة مثل «كارليت هندرسون»، وهي تلاظي بعينيها شبه الناعستين، ويكاد الخجل يزيد من حُمرة خديها اللدنين، وثمة بلل من رضابها على الشفة السفلى أتى به خفر الخرد الغيد، وارتباكهن ساعة الحاجة، وطلبت منه «سلف ودين لحين ميسرة»، وكان ذلك تماماً تاريخ 17 الشهر، هل ممكن أن يرد لها طلباً أو يتعلث: «والله ما عندي، وروحي أنا مشتفّ»، وإلا بيعتزي، ويقول: «عنبو الفقر يا كارليت، ما طلبت والله عيده وإلا سعيده، غالي والطلب همّباه»!