ناصر الظاهري
تصادف في رحلاتك الكثيرة أشخاصاً، لا يمكن أن يكونوا طبيعيين أو يسافرون على طبيعتهم، وكأن السفر يجعلهم يظهرون ما في دواخلهم، وما يعتمل في صدورهم، من نواقص، وعقد، وأمراض نفسية، وهؤلاء اللهم أبعدهم وأسعدهم، وفكّنا من شرهم، وسنكتفي بالذين يفعلونها ببساطة، ولا يدري الواحد منهم لم يفعلها؟ وربما تأسف على فعلها بعد حين، هؤلاء هم أقرب للمتبرعين المجانيين لفعل أي شيء حتى لو لم يخصهم، كثير منهم ظرفاء، ويأتون الأمور لتمضية السفر بمتعة، مثل أولئك الذين يظلون يبتسمون للمضيفات من أول دخولهم الطائرة، وكأن المضيفات مشاريع لسهرات في يومٍ ما، منهم من يفتح حقيبته ويخرج نظارة القراءة، وكتاب «جان بول سارتر» «الوجود والعدم» الذي هو بحجم قاموس «لاروس» الفرنسي أو «اكسفورد» الإنجليزي، قال الحبيب لا يحب أن يضيع وقته الذي كله ثقافة في ثقافة، والمؤكد أنه لن يستطيع أن يخلص صفحتين من ذلك الكتاب الدسم، إلا والنوم بارك على صدره، وجفونه ثقيلة، بعضهم يجلس، ويظل «يتمحكك»، ثم يبتسم لها تلك الابتسامة التي تخرج باردة من خاطره، ويعطيها معطفه لتعلقه المسكينة، ثم يناديها بعد لحظات بحجة أنه يريد أن يأخذ بعض الأوراق المهمة فيه، وهي أوراق نصفها لمشتريات بطاقته الائتمانية من السوق الحرة، ونصفها بطاقات «بزنيس كارد» لأشخاص التقاهم مصادفة، ولا يريد أن يتعرف عليهم في يوم من الأيام، بعض من هؤلاء المتطوعين يظلّ يطرح أسئلته الكثيرة على تلك المجبرة أن تساير المسافرين بحكم عملها المتدربة عليه، عن الاستثمار في المغرب، والعقارات في فرنسا، ويتدنى حتى يكاد يغمرها من نفحات هواء كذبه، وكلها حبائل سرية، لكي يصل لرقم تليفونها أو على الأقل يوهمها بأهميته الشخصية، بعضهم يسأل -وهو متأكد- أن فندق الشيراتون في الجزائر العاصمة، هو أفضل أم الأوراسي، ويظل يخلط ما بين حدود دول المغرب العربي، وحدها المضيفة الإنجليزية ذات الخبرة الواسعة في مجال الضيافة، والمشارفة على الخمسين من عمرها المديد، تسلم من شرر المسافرين، وجلهم يتمنى لها التقاعد العاجل أو آن أوانها لكي تستلم وظيفتها كمضيفة أرضية، أما مضيفات دول أوروبا الشرقية، وروسيا، وتلك الجمهوريات التي تخلى عنها الدب الأحمر، ونفضت غبار العلم الأحمر «بو مطرقة ومنجل»، والعربيات، وجميلات آسيا القصوى، فهن المبتغى والمشتهى، فتجد ظرفاء السفر من يعسفها بقصيدة نبطية، ومن تسافر مع أحلامه، ومن يقدم لها خدماته المجانية.. وغداً نتابع