عجلة التاريخ وعجينه

عجلة التاريخ وعجينه

عجلة التاريخ وعجينه

 صوت الإمارات -

عجلة التاريخ وعجينه

بقلم : ناصر الظاهري

بقي في فمي ماء منذ رمضان بخصوص المسلسلات التاريخية التي تجتزئ أحداثاً معينة في التاريخ، وتضيف أشياء معينة لتكمل تزوير التاريخ وتحريفه، هذا إذا أحسنّا النية، ولم نتهم، ولم نشكك في المقاصد، ولنفترض أن كل ذلك من أجل الحبكة الدرامية، والضرورة الفنية أو لزوم ما يلزم لإنجاح العمل الفني تجارياً، وهنا يكمن بيت القصيد، فالمحطات هي «رقيب» بشكل أو آخر، بإمكانها لويّ ذراع التاريخ من أجل أن المشاهد «عايز كده» على الطريقة المصرية أو بالطريقة السورية «حطّ بالخرج»، فتكثر مشاهد الجواري والقيان، وضاربات الدف، وساقيات القنان، على حساب أمور عظام، فالخليفة ربما ليس في باله تلك الليلة أن يستمع للغناء، ويسامر الندماء والشعراء، لكن المخرج والمحطة المنتجة، تريد أن تُسهرّ الخليفة تلك الحلقة، ليفكّوا ويروحوا عن الصائمين في مسائهم، ثمة تدخل آخر تمليه السياسات، وهي «رقيب» آخر، أكثر خطراً، لأن توجيهاتها تتسلل إلى الأحداث التاريخية، فتجرّها نحو مصالحها، وتوجه النيران صوب قرصها للتماشي مع أهدافها والرسالة التي تريد بثها في الداخل أو إلى الخارج، وتلاحظون هنا كم هي سهلة ركائب ومطايا التاريخ، والكل قادر أن يمتطي ظهرها وظهره.

أدرك تماماً أن كتب التاريخ ليست كلها نقية ولا موضوعية، فالمنتصر عادة هو من يكتب التاريخ، والمنهزم غير مؤهل لتصحيحه، وغير قادر أن يقرّ بهزيمته دون تبرير ومكر تحايلي، أما شهود العيان، فجلهم متحيز أو منتم أو معادٍ أو مغاير، وجميعهم لا يلتقون مع الحقيقة في نقطة تقاطع ولا يجتمعون مع الموضوعية في نقطة تواصل، لكن ما ينتهك بحق التاريخ وشخصياته في مسلسلات رمضان، يفوق ما زوّره الرواة القدامى، وما سطّره الورّاقون إما مجداً، وإما نكالاً وشماتة، والمشكلة تتجلى بوضوح حين نعرف أن لا قراء في الساحة، ولا مفحصين من المشاهدين، وجل اعتماد معرفتهم على ما تبثه تلك الشاشة التلفزيونية، والتي قد تحشو أدمغتهم أن هارون الرشيد هو «قصي الخولي»، وأن «الحجاج الثقفي»، هو بنفس الوسامة التي ظهر بها الممثل في مسلسل «المهلب بن أبي صفرة»، وهو أمر يناقض الحقائق التاريخية التي وصلتنا حسب المراجع والكتب والمرويات القديمة، وإذا كنا لا نقدر أن ننقل الأمور الواقعية بكل واقعيتها، فعلينا على الأقل أن نقارب مصداقيتها، وإلا سنؤكد وجود «أبو نواس» في حياة الرشيد، وأن للرشيد ابناً لم يعثر عليه، وأنه أحب تلك الجارية حباً عذرياً، وأنه يغزو عاماً، ويحج عاماً، وأنه ظل مخلصاً لنصف الخاتم في يده، وأنه يبات يحرس قصره ويتابع تفاصيل الخدم والجواري، وأن لا وجود حقيقياً لابنه «المأمون» ذي المكانة المهمة في تاريخ بغداد، هارون عاش ومات صغيراً في عمر 42 عاماً فقط، لكنه أدار دولة بقلاقل جمّة، وساهم في حضارة زاهية طوال 22 عاماً!

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عجلة التاريخ وعجينه عجلة التاريخ وعجينه



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates