بقلم - ناصر الظاهري
كنت حريصاً عند زيارة مدن العالم، ألا أفوّت فرصة التعرف على أشهر مقاهيها، واكتشاف لذة المتعة، وطعم الدهشة التي يمكن أن تسربها لنفسي وذاكرتي، في فيينا هناك مقهى «دوميل» ويقع بقرب قصر الإمبراطور النمساوي، الذي كان يصطحب ضيوفه إليه لتناول الحلويات والقهوة، وكان يمد القصر بكل أنواع الحلويات كمتعهد، ومقهى «شوارزنبرغ» الذي كان المفضل لدى بيتهوفن والموسيقيين والعازفين لأنه يقع بالقرب من دار الأوبرا، وهناك مقهى «سنترال» الذي كان في الأساس مبنى للمصرف المركزي، ثم تحول إلى مقهى، وكان يؤمه الماركسيون ويعقدون اجتماعاتهم تمهيداً للثورة البلشفية، وكان من بينهم «تروتسكي» عاشق الشطرنج، ومُنظّر الثورة، وهناك المقهى الشعبي الأقدم في فيينا «هافلكا» الذي كان مرتعاً للحركات الشبابية والثورية في المجتمع الأوروبي مثل البوهيميين والهيبيز، وفي مدريد هناك مقهى الأدباء والكتاب والرسامين والسياسيين «كران كافيه دي خيخون»، ومقهى «كافيه دي أورينت» ومقهى «مانويلا» ومقهى «لاري» الذي يعد الأقدم حيث افتتح عام 1839، وكان وكراً للجواسيس وصنع الحيل والمكر السياسي، والفضائح الاجتماعية. الغريب أن هذا المقهى ابتدع فكرة الحجز بالهاتف عام 1889، حين لم يكن لدى كل الناس جهاز تيلفون منزلي، وما زال يعتمد طريقة الحجز بالهاتف، وفي الدار البيضاء والرباط كنت أتردد على مقاهٍ شعبية وبسيطة لكنها مرتبطة بحياة سكان المدينتين ومبدعيها، والأمر كذلك في القاهرة، حيث تتعدد المقاهي في مختلف المناطق، والكثير يعرفها من ورودها في الأعمال الأدبية والتلفزيونية والسينمائية، والأمر في بغداد وبيروت وتونس، أما في مدينة باريس فتشكل المقاهي تقليداً راسخاً وقديماً انتقل منها إلى دول أوروبية وإلى الدول التي استعمرتها فرنسا، حيث لا تخلو مدينة فيها من مقهى «كافيه دي باريس أو كافيه دو لا بيه»، وأثناء إقامتي أتيحت لي فرصة التنقل بين مقاهي باريس الكثيرة والشهيرة والتاريخية، حيث لكل منطقة مقهاها، في وسط باريس حيث يطغى مقهى «فوكيت» الذي أسسه «لوي فوكيت» عام 1899، ليكون ملتقى لنخبة الطبقة المخملية في باريس وزوارها المهمين من سياسيين وزعماء وفنانين عالميين وأثرياء، هذا المقهى الذي يحتل زاوية ذهبية في المربع الذهبي للمدينة «شارع الشانزليزيه، وشارع جورج سانك» له أجواء ساحرة سواء في الصيف أو الشتاء، من المقاهي الجميلة مقهى «لا ديوريه» الذي أسسه الأديب الفرنسي «أرنست لاديوريه» عام 1862، يعد من أرقى المقاهي وأكثرها فخامة، ويشتهر بنوع من الحلوى الملون «ماكرون»، أما المقهى المفضل لدي فهو المقهى الذي يقع في «سانت جيرمان» «كافيه لو فلور» الذي تم افتتاحه القرن التاسع عشر، ويعد مرجعاً ومسكناً لكل الفلاسفة والرسامين والأدباء والصحفيين والنقاد، ومنذ عام 1994، وتكريماً لمكانة هذا المقهى يتم سنوياً منح جائزة أدبية فيه، وآخر مقاهي باريس المفضلة لدي بعد مقاهي «مونبرناس»، مقهى «دي ماغو» الذي ارتبط بالحركة السوريالية وبعض المدارس الفنية والأدبية، وفيه كتبت كتب مهمة في المعرفة الإنسانية، ورسمت لوحات عالمية.