ناصر الظاهري
نُكبر في الأشياء.. كبيرها ونُكبر من الأشياء، ولو كانت قدر رجّة الفنجان أو قدر رفع الكف للتحية أو رد السلام، نُكبر في الأشياء ولو كانت قدر وثبة لسقية كبير، له المقام، وهو سيد الحضور، وفي لحظة، وكأنه الأب والوالد ذكره بالخير، وكأنه الآمر، والواجب عند قدميه، ونُكبر في الأشياء؛ لأن من قام بها جاءت عفو خاطره، وأصالة نفسه، وتلك التلقائية التي تميزه، فتعليه، فيفعلها ونغليه، ونُكبر في الأشياء أن من يقوم بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، قدوة الجيل، وصانع فخره، والمثال الذي يتراءى كفارس من تاريخ عربي معطر بالانتصارات.
ونُكبر في الأشياء كبيرها؛ لأن من صنعها ويصنعها، وكأنه يريد أن يرسلها لتخلد في الرأس، كبيرها قبل صغيرها، خاصة ونحن ما أحوجنا في هذا الزمن المترامية أثقاله وأوجاعه إلى أن نتعلم من جميل إرثنا، وغالي طبعنا ما تناسيناه في غفلة منا، فلا وهنت تلك اليد؛ لأنها بيضاء ككف أبيه، فيها السلام وعاطر التحية، لمن قصد الخير، وجاء ذاكراً الرحمن في صدره، وهي مقبض للسيف، بتّار العدا، لمن احتطب في ظلمة، ولمن جاء يريد بغياً أو ظلماً أو جنح للاعتداء، سلمت يمينك لا عدمناك، جعلها بالخير والماء مجراها، هي للعزيز والصديق عضد وسند، وفيها للمحتاج والمعتاز جبر من العثرات، وحفظ وجه الكريم.
لماذا الأفعال الصغيرة تفعل فعلها في النفس؟ وتجعل الرأس يرتفع من فخره، وثمة ريح باردة تمر على الجسد ترعده، والقلب لا تجعله في محله يبرح، ثمة رقصة تفرحه، هكذا هي الأشياء التي تجلبها فطرتها، تجعلنا من زهونا بها، وددنا لو توجّنا بها رؤوسنا كعمائم من مجد نوده لا يزول، كبيراً كنت كعادتك يا «أبو خالد»، عزيزاً وغالياً ما فعلت، وأنت تثني ركبتك للصغير، وتقلد قبلة على رأس الكبير، وتثب لغير القادر، وتعضد من تُزل به قدم، فتجعل القلوب تثمن لفتة يمينك، وتجعل للأطفال درساً يعونه، ولا ينسونه، وتثلج صدور الأهل، فتباركت، وتباركت يمناك.
نُكبر في الأشياء فاعليها، بهم ترتقي الأشياء، وبهم تسمو، ومنهم نستشف الحكمة، ومعنى الصبر، وخير ما يتصرف الرجال، فبعض المواقف تريد كل الرجال، وكل المواقف تحتاج لبعض من الرجال؛ لذا تكبر الأشياء بكبيرها.
وما فعلته يا «أبو خالد» بسماحتك المعهودة، وتلقائيتك المعروفة، وتلك البساطة المجبول عليها مرة، بود الابن لأبيه، وبتوقير الكبير، وبتلك الوثبة التي سبقت بها الجميع نحو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، جعلت من أبسط الأشياء، أنبلها.. وأكبرها!