بقلم : ناصر الظاهري
هناك مدن بعيدة، وبلدان في أطراف الدنيا، تستصعب الساعات الطوال للوصول إليها، وتخذلك المسافات البعيدة للاقتراب منها، وتظل تدق على رأس المسافر دوماً، تقول متى سأحظى بزيارتها؟ متى ستقرب تلك المسافة، فأقفز قفزة لها؟ تتركها للحظ، وللصدف، ومرات تحبو لها من مدينة لأخرى حبواً، تظل تتوقف في محطات على نظام «سوق على مهلك سوق»، فلكي تصل البرازيل تركب السهل والصعب، وتظل تكح من مدينة لمدينة، فيمكن أن يكون خط سيرك أبوظبي المغرب إسبانيا أو البرتغال ومنها للبرازيل التي تتطلب أيضاً من هناك ساعات طوالاً، واختلافاً في التوقيت، فيقلب نهارك ليلاً، وليلك نهاراً، والأصعب أنك قد تبدأ رحلتك بطائرة حديثة مثل فندق متنقل، ويبلغ بك المطاف وأنت تركب طائرة توصيل البريد واللحم المثلج، وما أن تصل البرازيل حتى تتفكر كيف وصل المهاجرون من آسيا وأفريقيا وكيف دبّر إخواننا العرب طرقهم إلى هذا البلد الذي يشبه قارة في المحيط البعيد، كم حمل هذا البحر من سفن؟ وكم التهم من أجساد؟ وكم قاسى المغامرون الأولون من مهاجرين وباحثين عن فرص جديدة في الحياة، لكنها الأحلام وما تصنع.
اليوم الوصول للبرازيل أمر أكثر سهولة، وأقل عسراً، ولكنها تبقى بعيدة، ولغتها غريبة، فهي البلد الوحيد في قارة أميركا اللاتينية التي تتحدث البرتغالية، وهم شعب لقارة ترى أنها لا تحتاج لأحد، ومكتفية، ولا يهمها لغات العالم، مثلها مثل كثير من الدول التي تعتقد أنها المركز، وحولها الهوامش، والمركز لا يحتاج للهامش عادة، غير حاسبين حركة الزمن، وتبدل الجغرافيا، وتطور الحياة، بحيث يضيق الهامش على المركز، ويحتل مكانه، ولا يبقى للمركز إلا ذاك الحنين للماضي التليد.
بعض المدن لا تتيقن من الوصول لها حتى لو خطت أقدامك خطواتها على الأرض، ربما الحلم والبعد والمشقة تخلق ذلك الشك، فلا تجعلك تتوازن حتى تبيت فيها ليلتك، وغداً هناك أفق آخر، وعين أخرى ترى فيها مدنها، هكذا هي البرازيل ذلك البلد المنقض والذي يريد أن يلتهم القارة الأميركية الجنوبية كطائر خرافي، جاءت تسميتها أيام الأمبراطورية البرتغالية من شجرة خشب تسمى «باو برازيل» أو خشب البرازيل، وهو نوع من الشجر يكثر هناك ولونه يميل إلى اللون الأحمر، وقد صدرته إلى أوروبا منذ أزمان بعيدة، لأنه كان يدخل في الأصباغ والألوان والدهان.
البرازيل بلد يشبه مساحته، خرافي أسطوري، فيه السحر كله من موسيقى وإنسان مختلف ومغاير، فيه التنوع، فيه القديم الأزلي، وفيه الجديد والمستقبلي، يمكن أن يحمل المتناقضات، ويمكن أن يسحرك بأشيائه، ولا يجعلك تغادره وأنت معافى، بل مستصاب به، وبما فيه.. وغداً نكمل
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع