الجراد الأصفر

الجراد الأصفر

الجراد الأصفر

 صوت الإمارات -

الجراد الأصفر

بقلم - ناصر الظاهري


لا أتذكر كم كانت أعمارنا، ولكنني «أحيّد»، والتي تعني التذكر دون تفاصيل عندما هجم علينا الجراد مرة في العين، وقديماً كان يباغت الأهالي على مر السنين مرة، حتى إن الكثيرين كانوا يؤرخون سنوات ميلادهم أو أعمار أولادهم بسنة الجراد أو غزو الجراد، كنا صغاراً وعدينا هجوم الجراد يومها فرحة، ولعبة جديدة في زمن لا ألعاب للصغار فيه، ففزعنا مع الفازعين حيث كان الأهالي يتلقونه من مسافات بعيدة عن نخيلهم ومزارعهم وبساتينهم، لأن وصول أسراب الجراد لتلك المناطق يعني أن محصول ما زرعه الناس عامها سيصبح خراباً يباباً، فكانوا يتسابقون إلى نخيلهم، ويلفون عذوق النخل بالليف لكي لا يصل إليها، وكذلك الليمون والهمبا وحتى الغليون والتبغ، وكل ما كان يثمر، وينفع الناس. 

كان يومها الناس تحسبهم ذاهبين لغزو، فليس مثل الجراد آفة يبغضها المزارع، كانوا يتسارعون حاملين «اليواني» والأكياس وبعضهم كانوا يحملون ما يصطادونه من جراد في وزرتهم ويربطونها بإحكام، وكانوا يسوقونه على مراحل أحدهم على حماره أو راحلته، وحتى على رؤوسهم للذين لا يملكون دابة من أجل تجفيفه في الشمس أو شيّه في النار بحيث تصبح كميات الجراد مثل الأكوام، وإن كان صيداً وافراً غدا مثل النقا العود، حيث يُكَوّد إما في المسطاح أو في المراغة أو العرصة العامة، فمثلما يأتي الجراد لكي يأكل محاصيل زراعتهم، كان الأهالي يأكلونه إما مجففاً أو يعملونه «إيدام» في المرق أو يحمس ويطبخ مع الرز، ففي ذاك الزمن المُرّ، والوقت الصعب لا يسمح الناس برزقهم، وقوت يومهم، وما صبروا عليه، وتعبوا من أجله أن يأتي غريب ويلقف ما كانوا يزرعون.

كان الصغار أمثالنا أيامها حينما يصيح الصائح أو ينقع الصوت يهبّون خفافاً وثقالاً يذهبون مع أهاليهم في برد الليالي، ليبكروا فجراً حينما يهم الجراد بالهجوم، فيهجمون عليه متلثمين بعمائمهم ليكيلوه في «الوخائف واليواني والخصافات، وبعضهم في الحصر والسميم»، وكانوا يطلقون عليه صيد الجراد.

لقد ظلت ذاكرة غزو الجراد في قاع الذاكرة، ولم أنسها، لأنها كانت بالنسبة لي شيئاً من الدهشة والمغامرة والفرح الغامر، فظهر كمشاهد في أعمالي الأدبية، لكن أهمها كان الفيلم التجريبي، وهو مشروع تخرجي في الجامعة، وكان اسمه «الجراد الأصفر»، يومها صورته بكاميرا سينمائية «16 ملم» ملونة، في منتصف الثمانينيات، وكان يتحدث عن بدايات الهواجس بخصوصية الهوية الوطنية، وفي فيلمي الأخير استحضرت الشهود ممن بقوا من الكبار ليحكوا لنا قصة الجراد حين يباغت الناس، ويأتي على زرعهم الأخضر ليصبح يابساً، مهدداً بالخراب.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

نقلا عن صحيفة الأتحاد 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجراد الأصفر الجراد الأصفر



GMT 21:27 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

قصة عِبَارة تشبه الخنجر

GMT 21:21 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

المرأة ونظرية المتبرجة تستاهل

GMT 21:17 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

«تكوين»

GMT 21:10 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هل يعاقب فيفا إسرائيل أم يكون «فيفى»؟!

GMT 21:06 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

العالم عند مفترق طرق

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"

GMT 08:22 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

لاعبة ترفض الوقوف حدادا على مارادونا بسبب "أفعاله"

GMT 18:44 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

مصر.. اقتراح قانون في البرلمان لتجريم زواج القاصرات

GMT 14:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الرئيس الجزائري يُقيل رئيس "سوناطراك"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates