بقلم - ناصر الظاهري
هناك في الحياة أحلام بدأت صغيرة، وبدأت بالصدفة، وبدأت من باب التسلية، وبعضها من باب التحدي، وبعضها الآخر من مكان صغير أو مرآب أو قرية نائية، لكنها بفضل الوقت والمتابعة والعمل والجد والصدق كبرت، واليوم عمت العالم، واسمها يصدح في كل مكان، وأسهمها تتصدر الاقتصاد، شركة «آبل»، بدأت من مرآب لتجميع الآلات الإلكترونية، بفضل حلم صديقين، وسلسلة مطاعم «ماكدونالد» بدأت من قرية نائية بفضل حلم شقيقين، وموقع «تويتر» كان حلماً جامحاً لطلبة، ربما التقوا في جلسة قهوة في «ستار باكس»، وموقع «الفيس بوك» كان حلم طالب لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، والأمر كذلك لتلك العلامة المهمة «ميشلان» التي لا يحظى بها أي مطعم إلا بشق الأنفس، وبعد اختبارات، وتجارب، وزيارات سرية وعلنية، ومشاورات بين أعضاء لجان التحكيم، وذواقين من العالم يأتون خصيصاً دون أن يعلم بهم أحد، تُرى ما هي قصة هذا الحلم الذي بدأ صغيراً يومها؟ حينما قرر ذلك الأخوان «أندريه وادوارد ميشلين»، مالكا شركة «ميشلان» الفرنسية لتصنيع إطارات السيارات المطاطية، وهي شركة عائلية تأسست عام 1886.
قام هذان الأخوان بعمل دليل سياحي عام 1900، يوزع مجاناً، يعين مرتادي الطرقات، وسائقي الشاحنات والحافلات على معرفة أقرب المطاعم وعناوينها، ومحطات تزويد الوقود، والفنادق، والاستراحات، والمرافق السياحية المهمة في مدن فرنسا من خلال دليل «ميشلان»، وفي الوقت نفسه هو دعاية لمحلات الإطارات التي أنشأتها «ميشلان» على الطرقات، وقد استخدما الشخصية «الكاريكاتورية» نفسها التي تمثل «ميشلان» اليوم، والذي حصل عام 2000 على جائزة «شعار القرن»، وهي شخصية «بيبندوم» المرحة لذلك الرجل المطاطي. نجح الدليل الذي كان يخرج بلون أزرق في البداية، حتى تم اعتماد اللون الأحمر المشهور، منذ عام 1931، واستبشر أهالي المطاعم الشعبية به، وازدهرت أعمالهم، وكثر المترددون عليها، وصار الطلب على الدليل كبيراً، وهو أمر فاجأ الأخوين «ميشلان»، فقررا أن يوسعا الدليل، ويعتنيا به، ويباع، وفيما بعد ظهر معه أكثر من دليل، مثل: ميشلان كورمُن «ت»، وفي عام 1936 تم تحديد معايير منح نجمة «ميشلان» للمائدة الطيبة، وهي نجمة يحصل عليها المطعم فقط، لكنها تقدم لرئيس الطهاة، وأصبحت شخصية «بيبندوم» تعتمر قبعة الطهاة الطويلة، وعيّنوه حكماً في لجنة الاختيار، نجمة «ميشلان» قد تضاف لمطعم، وقد تسحب من آخر.
اليوم أصبح هذا الدليل، مقياساً عالمياً لجودة المطاعم، وما تقدم من أطعمة وأشربة، وما تتميز به من ديكور وبناء، وطاولات، و«أكسسوارات» ومعالق وسكاكين وصحون، وكاسات كريستال وأشياء كثيرة، كلها «ممضية» وموقعة ومختومة، أسعار مطاعم نجوم «ميشلان» من نجمة إلى ثلاث نجوم، يتراوح فيها سعر وجبة الأكل فقط، للشخص من 350 درهماً إلى 2200 درهم، وأنت طالع إلى فوق نجوم السماء!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد