بقلم : ناصر الظاهري
بعض ساعات المدن، تحظى بشهرة تعادل شهرة المدينة، وتقترن باسم المدينة، بعضها تعطي الأمكنة التي فيها روحاً وحياة مختلفة، بعضها تظل تشيخ مع المكان، كتلك التي تتنسك على جدران الكنائس بخشوع أو ترتقي على منارات المساجد أو تجد موقعاً لها في زوايا المعابد الهندوسية أو البوذية، مثل الساعة الذهبية في معبد السيخ الذهبي أو تلك الموجودة في كنيس اليهود في «بودابست»، كثير من الساعات تحتل ساحة المدينة كحارسة لظلالها أو تلك التي تذكّر الناس بحركة الزمن الدقيقة، والتي مكانها محطات القطارات الكبرى في المدن الأوروبية، ومعظم مدن العالم التي تسيّر القطارات، هناك ساعات غالية وأثيرة على الناس ينقلونها معهم حينما يحل الخراب والرماد مدنهم إلى أماكن مؤقتة وطارئة، لتذكرهم بمكانهم الأول أو يستنسخون ساعة مدينتهم في مخيماتهم كلاجئ حرب حين تفرض عليهم الحرب النزوح، مثلما فعل أهالي حلب وحماة، أما ساعة الرقة فلا أدري لما خربوها بالرصاص أولئك القتلة، لأنها توقفت منذ دخولهم للمدينة، وكأنها لا تريد أن تحسب وقتهم، ولا تُعد هي من زمنهم.
في تتبع الإنسان سيرة الوقت، ظل يخترع له آلات لقياسه أو محاولة المسك به، فكانت الساعة الرملية، وتجد بقايا لها في الهند والمكسيك، والشمسية كتلك الموجودة في بكين، والمائية، بعضها اندثر كساعة بهو السباع في غرناطة، وبعضها متواجد تحيطه المياه، ويعمل بطريقة حديثة، مثل ساعة العين، وأجمل الساعات الفلكية تلك التي يقصدها الناس في براغ، هناك ساعات قديمة بحجم محطات الكهرباء، وساعات معقدة تعتمد حسابات دقيقة بالسوائل والماء، كتلك التي في مدينة «برلين»، وواحدة كانت شبيهتها في شارع الشانزليزيه بباريس، والساعة البخارية الموجودة في كندا، وفي مدن كثيرة تجد ساعات الزهور في جنيف، وأختها في أبوظبي، والجديدة في دبي، ومثلها تجد في بيروت قديماً، وسنغافورة، وكندا، وموسكو، وغيرها، وهناك ساعات رقمية بدأت تغزو المدن، لكنها لا توحي للإنسان بالثبات ومقاومة الوقت، وأنها وضعت لتبقى، لعل أجمل الساعات الرقمية المنصوبة بفكرة فنية مذهلة، تلك التي تقبع في أحد شوارع «برلين»، هي عبارة عن نصب يد إنسان، نزعت منها الساعة التقليدية، ووضع بديلاً عنها ساعة رقمية، هناك ساعات جميلة ومتفردة في بانكوك، والصين، واليابان وإنجلترا وفرنسا وإسبانيا وتركيا، والجزائر، وساعة جامعة القاهرة الشهيرة، وفي مدينة «سراييفو» هناك ساعة منذ الزمن العثماني، ما زالت تدور عقاربها بين الأرقام العربية «المشرقية».
بقيت ساعات الفنان الإسباني «سلفادور دالي» المشهورة بالساعات الأربع في لوحة «إصرار الذاكرة» السوريالية الموجودة في متحف الفن الحديث في نيويورك، وهي: الساعة اللينة، الساعة الذائبة، الساعة المتساقطة، وساعة إصرار الذاكرة، وهي جميعها تعبر عن نسبية الزمن أو فيما فوق الواقع، لقد رأيت نصب تلك الساعات في مدن عدة، «ميلانو» و«كان» وغيرها.