بقلم : ناصر الظاهري
من الأشياء التي ترهق السفر أن تصطحب شخصاً مملاً، وكأنه صبي صغير، لازم تراعيه وتداريه، ولا تتوقف طلباته، واشتراطاته، بحيث يصبح هو محور السفرة، والباقون يدورن حول نزعاته ورغباته، وتكون أنت قد دخلت في سن الحكمة وتساوي الأمور، وما لك «بارض» في تربية الصغار، كذلك لا يصلح السفر للبخيل ومعه، يشعرك دوماً أنك في عسر هضم، والذي تأتي به بمائة، هو قادر أن يجلبه بنصف القيمة، وتظل طوال الرحلة عائشاً على الأساسيات، وما يسد الرمق، ليس أجمل من السفر مع الإنسان الخفيف، «وين هَبّت له ذرت»، يمكن أن تتسكع معه في المدينة القديمة، ويمكن أن تتشاطر معه شطيرة على الرصيف من مطعم شعبي، لا يضره أن يركب حافلة عامة أو ينزل معك «المترو»، يشعرك طوال الرحلة أن لا مشكلة عنده مطلقاً، وما يفرح الآخر يفرحه، والشيء الذي لم تظفروا به اليوم، هناك متسع من الوقت غداً، ما يميز هذا الإنسان الخفيف عن الشخص «الونِيّ» الجاهزية، وشعار الكشافة «كن مستعداً دائماً»، «الونِيّ» يعتقد أن الوقت مطاط، فصباحه مثل صباح السلاطين، يمكن أن يذهب للفطور قبل رفع الصحون بعشر دقائق، فيعطل المطعم، ويعطلك، ويصر أن يطلب «بيض عيون» وشاياً بالياسمين، فيربي عند العاملين حنقاً على هذا المتطلب في الوقت الضائع، وعند أصدقاء سفره ضجراً، وكثيراً ما يحرجك في التوسل لسائق الحافلة السياحية، والمرشد السياحي والسياح أن ينتظروا قليلاً حتى يفرغ مثانته على مهل، وبلا عجل، الإنسان الخفيف «هاب ريح» دائماً ما يكون جاهزاً على الوقت، تزعجه الدقائق الخمس قبل الموعد، ولا يحب أن يتأخر خمس دقائق بعده، ومن الناس الذين يربكونك في السفر الشخص غير الصبور، والذي «فتنته في طرف خشمه»، دائماً ما ينظر للأمور بمنظار أن الحق على الآخرين، «ليش تأخر الدريول اليوم»؟ «ترى أخرنا وآخر غداءنا هذا المطعم»، «لا تحيّرونا نريد نطلع الصبح من الفندق»، وهكذا يظل يحاسب الناس على تأخيرهم الافتراضي، وهو في الحقيقة الذي ساعته «مقدمة شوَيّ»، وعلى طاري التأخير وقلة الصبر، والشراهة في الأكل، كانت مرة تصطحبنا مترجمة ومرشدة سياحة زرنا معها عدة مدن في كازاخستان وأوزبكستان، وبالرغم أنّها لطيفة ومطلعة وجميلة ومتعاونة وتتحدث لغات، إلا أن لديها مشكلة لم نعرفها في البداية، فجأة تحمرّ، وتنتفخ، وتتحرطم، بعدها تتحول للعدوانية، حتى اكتشفنا أنها بسبب نقص منسوب الأكل في معدتها، فهي إن فرطت ساعة الغداء، تتحول إلى لبوة، وكأن أحداً عض واحداً من أولادها، لا تهدأ ولا تعود لبسمتها وحيويتها إلا إذا وسَدّت أضلعها بكم صحن، فاقترحت على جماعتنا أن نحمل معنا «تصبيرة»، ونحرص على وجبتها الغذائية مثل حرصنا على أعمارنا، وظلت النساء يتذخرن بعلبة «باسكوت» خريطة «برميت»، لكنها لم تقرب تلك الأشياء، فلا شيء يضحك سنها، ويفرح معدتها مثل رؤية ثلاثة صحون قدامها، طوال تلك الرحلة كنا ندعو لرجلها بالصبر والثبات وجزاء المجاهدين.