متاهات العدم المؤلمة

متاهات العدم المؤلمة

متاهات العدم المؤلمة

 صوت الإمارات -

متاهات العدم المؤلمة

بقلم - ناصر الظاهري

قاسية تلك النهايات المؤلمة في متاهة العدم، يتمنى المرء لو قدر أن يوجهها غير وجهتها العبثية، فلا شيء يفطر القلب مثلما ترى عزيز قوم ذل، أو رجلاً نبيلاً قست عليه الحياة، وكريماً أفقرته الدنيا، وشخصاً مرحاً فرحاً أبكته الأيام، وامرأة جميلة يتقاتل عليها الفرسان، وهي اليوم بلا تلك النضارة، ولا بريق الإشراقة، مثلما تنقلب الجنة ذات النخيل والأعناب إلى أعجاز نخل خاوية، تلك هي متاهة النهايات، وما أقساها على المرء، أن مرت على البال، لأنها نهايات لا تليق بتلك الشخصيات، خاصة إذا ما كانت في خريف عمرها، وشيخوختها الرمادية، فعنترة بن شداد ذلك الفارس النبيل، والشاعر الجميل الذي طفقت شهرته الآفاق، وأصبح من الشخصيات العالمية اليوم، وغدت قصته يتمازج فيها الواقع بالخيال، وكبرت سيرته وامتدت عبر الأحقاب، هل يتصور أحدكم كيف كانت شيخوخته، وهرمه؟ وأنه كان عاجزاً عن الحركة، مخرفاً، أعمى، يستجدي قوت يومه، لكن القصص الشعبي رفض تلك النهاية لذاك الفارس الذي يتغنى ببطولاته كل الأقوام، ويتناقلون شعره الخصوم قبل الحلفاء، مثلما رفضوا من قبل تسميته المؤنثة «عنترة» وهو الفارس والشاعر الفحل، والذي يعني الذباب الأزرق، فذكّروه «عنتر»، رافضين تاء التأنيث، كذلك اختاروا له نهاية تليق بنبل ذلك الفارس المغوار، والشاعر المدرار، بقتله غدراً وغيلة، وأنه من زئيره حين طعنه في أسفل مذاكيره، أن خاف القاتل فمات قبله!

أما نهاية الأمير والشاعر المعتمد بن عبّاد والذي كان في عز وجاه في الأندلس، أن عمل لزوجته ومعشوقته الرميكية، بركة من الزعفران والطيب، وماء الورد لكي تستحم بها، أو تسير عليها في القصر، ويقال إن له 173 ولداً، وتتبعه 200 مدينة وقلعة، كيف آل به المطاف لنهاية من الهزيمة والانكسار والسوق به للمغرب كمعدم ومعزول ومذلول يتصدق عليه جيرانه الذين لا يعرفونه، من بقايا أكلهم، وفضلتهم حتى مات في «أغمات» في مراكش غريباً أكلته الأحزان، وتبدل الزمان.

ولعل نهاية طارق بن زياد، وموسى بن نصير، وكيف نكّل بهما الأمويون بعد تلك الفتوحات، الأول مات شحاذاً في شوارع دمشق، والآخر مسجوناً، مغموماً في غرفة ضيقة، وأبشع متاهة لنهاية غير متوقعة، ولا تليق بإنسان، فكيف إن كان ابن الخليفة أبي بكر الصديق، محمد، أخا أم المؤمنين عائشة الذي دفن حياً في جيفة حمار، وخيط عليه، أما نهاية الخيانات والغدر، ورفع الرأس على أسنّة الرماح فأعظمهم الحسين بن علي حفيد رسولنا الكريم!

أما متاهة نهاية المتنبي المجبر عليها، والذي اختارها خادمه له، ومن قصائد شعره المتباهي بالسيف والقلم، فكان نزالاً غير متكافئ بين «ضبّة»، ومن معه من قطاع الطرق، والمتنبي وابنه محسد وخادمه، وتلك الجمال المحملة بالهدايا والأموال نتيجة المدح والأسفار والخسارة النهائية!

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

نقلا عن جريدة الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متاهات العدم المؤلمة متاهات العدم المؤلمة



GMT 21:27 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

قصة عِبَارة تشبه الخنجر

GMT 21:21 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

المرأة ونظرية المتبرجة تستاهل

GMT 21:17 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

«تكوين»

GMT 21:10 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هل يعاقب فيفا إسرائيل أم يكون «فيفى»؟!

GMT 21:06 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

العالم عند مفترق طرق

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates