بقلم - ناصر الظاهري
مما تشتهر به «نيدر لاند أو هولند»، وهما اسمان يعنيان الأراضي المنخفضة، الواطئة، وبالمعنى نفسه، يطلق عليها باللغة اللاتينية «بيلو بيلجيكو»، الأجبان الهولندية مثل: «يونغ كاس، بليخم كاس، آود كاس»، بالإضافة إلى الدراجات الهوائية، والتي يزيد عددها على 18 مليون دراجة، متجاوزاً عدد السكان البالغين 16 مليوناً، حيث يمكنك أن تصادف رئيس الوزراء، وهو آت للعمل بدراجته الهوائية، أما الأيقونة الأخرى، فلابد وأن يكون الفنان المجنون «فان جوغ» صاحب لوحة «عبّاد الشمس» وغيرها، والذي توفي معدماً أو منتحراً بعد نوبات اكتئاب مزمنة، غير أن الهولنديين لا يعترفون بذلك، ويسمونه «الموت المبكر»، والذي استفاد الكل من ريع لوحاته، عداه هو، وهو الذي قطع أذنه في مراهنة خاسرة، وهو الذي مشى سبعين كيلو متراً، ليرى الرسام الفرنسي «جولز بريتون» في مدينته «كوريير»، والذي كان معجباً به، ولم يكن في جيبه غير عشرة فرنكات، ولما وصل لمنزله، خشي أن يطرق بابه، ورجع ماشياً كما ذهب سدى، واليوم يحظى متحفه في أمستردام، بأعلى الزيارات السياحية، ولا يزاحمه رسام آخر غير «رامبرانت» الذي ما زال بيته يستقبل الزوار، وما زالت تلك الساحة حيث ينتصب تمثاله في تلك الحديقة، وحينما نحت الروس تماثيل لـ«حراس الليل» أو «ناخت فاخت Nacht wacht» من لوحته المشهورة، اشترتها بلدية أمستردام، ووضعتها أمام تمثاله، وهو هذا العام ضيف على متحف اللوفر في أبوظبي، حيث تعرض بعض أعماله.
الزائر لهولندا ستدهشه أشياءً كثيرة، وسيتوقف كثيراً عند البيوت المائلة أو الراقصة، كما يسمونها، ومنها بيت «آن فرانك» البنت اليهودية التي ظلت مختبئة في خزانة، بعدما قتل النازيون كل عائلتها، وبيوت صقل وتصنيع الألماس، والبيوت العائمة، وهناك القنوات المائية التي تكون أجمل في الليل حيث يلقي بسحره الأسود على كل الأشياء، وستجد أصغر واجهة بيت في العالم، حيث لا شيء غير الباب فقط، ولا تكتمل مشاهدة أمستردام، إلا بركوب قارب يجول بك في مسالكها المائية، وقنواتها وجسورها وقناطرها، وقد تتوقف عند أقدم مشرب بُني عام 1695، خلال هذه الرحلة المائية تقدم الأجبان الهولندية، ومشروباتهم المحلية.
من بين تلك الأماكن التي تعد زيارتها تجربة فريدة، قرية الصيادين «ماركن» يوم السبت، والتي ستدهشك أن كل بيوتاتها مغلقة على نفسها، وسكانها قابعون فيها، لا يخرجون منها، أبوابها ونوافذها مغلقة، وكنيستها صامتة، ولا أحد يمشي فيها غير السواح، وأجمل الختام زيارة مكتبة أمستردام الوطنية، ذات الطراز المعماري الحداثي، وهو الغالب على العمارة الجديدة في هولندا، والتي طالما تمنيت أن يكون مثلها أو شبيهاً بها في أبوظبي، وتبقى عليك مدينة لابد وأن تزورها، لأنها عاصمة هولندا السياسية، وليست أمستردام، كما هو وفق الدستور، والتي سماها الرحالة العرب القدماء «مسترضام»، هي مدينة لاهاي «Hague»!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد