بقلم - ناصر الظاهري
يبدو هذا العام وكأنه عام الوداع لكثير من الناس الجميلين في الحياة، فقد انسلّ العديد من الأصدقاء والزملاء في غفلة من الوقت، وفي حال تذهب النعوش وحدها للمقابر، مثل فرط عقد المسبحة تباعاً، فما يكاد دمع العين يجف، حتى تهلّ العين دمعها من جديد، وآخر الراحلين بالأمس كان «أبو باسم.. إبراهيم العابد» ذلك الزميل والصديق والمود منذ قرابة ربع قرن، كان لي ذلك الشرف، وذلك الحظ أن أتعلم منه الكثير، وأسترشد برأيه في الكثير، كان هادئاً على الدوام، ويعمل قبل وبعد الدوام، وكان قليل الكلام، وإذا تحدث إما أن يضيف لك شيئاً من المعرفة أو يصحح ما كان يعتقد أنه واجب عليه تصحيحه، ربما يكاد يكون الوحيد الذي لا تمر بمكتبه دون موعد مسبق، إلا وتجده فيه ولا تهاتفه إلا ويرد عليك بسرعة، فقد كان يعتقد دوماً أن كل شيء يبدو مهماً، وكثير من الأمور يجب أن تعالج بالأولويات، مثل طبعه وتفانيه وحرصه، وأنت نهارها فقط كنت تريد أن تقول له: «صباح الخير أبو باسم»، وقلما دخلت مكتبه، ولم أخرج بفكرة أو بكتاب أو بمعلومة كانت غائبة.
«إبراهيم العابد» كان يبدأ يومه مبكراً في العمل، وقبل أن يصل مكتبه، تجده قد أنجز كثيراً من الأعمال المتعلقة والباقية والتي لا تستوجب حضوراً، بعدها يبقى الساعات الطوال في العمل، أحياناً إلى الليل، وأحياناً حين يرجع مبكراً -كما يقول- رغم أن الوقت مقارب المغرب، كي يتعشى مع رفيقة دربه «أم باسم»، يعتقد الكثيرون أن عمله قد انتهى وقتها، وهو لا يماري في هذا، ولا ينتظر لا حمداً ولا شكوراً، فقد كان شغفه، وهمه العمل، لذا يمضي الساعات المتبقية حتى النوم في التوجيه والإنجاز والمتابعة، لا يستريح «أبو باسم» ولا تستريح «هواتفه» إلا حين يغط في نومة متقطعة، بلا أحلام عادة، غير حلمه أن أحد هواتفه قد يصيح بعد قليل آتياً بمحادثة من إحدى جهات العالم الأربع، طوال معرفتي بالرجل لم أجده يوماً متذمراً أو شاكياً، فقد كان صابراً، محتسباً الأجر، وأحياناً يقوم بعمل مضاعف عنه، وعن غيره، ويجالد في الشرح لهذا، وإيجاد المبررات عن ذاك، فقط لكي لا يتعطل العمل أو تتغير انسيابية ساعاته، كان حيناً من الدهر يقاتل على جبهات عدة، جبهة داخلية، وجبهات عربية، وأخرى خارجية، لا يهمه في ذلك تعب أو نصب غير خدمة الإمارات، وجمال تلك الصورة الإعلامية البهيّة.
برحيل «إبراهيم العابد» سنفتقد أموراً كثيرة، وسنفتقد رجلاً متفانياً، مخلصاً، وهب كل وقته لعمله، وسنفتقد زميلاً مهنياً من ذاك الطراز العربي المثابر الذي يقدم العام على الخاص، وسنفتقد ذلك التواضع والخجل والطيبة والمودة التي كان يوزعها على الجميع، ويتقاسمها مع الجميع، وسنفتقد مرجعاً مهماً في إعلام شؤون الدولة، ومفاصل الكثير من القضايا العربية والدولية، وقبل كل ذلك سنفتقد أخاً عزيزاً على الجميع، وكريماً مع الجميع، سنفتقد تلك البسمة الدائمة من «أبي باسم» الذي لم يتسن له أن يودعنا الوداع الأخير، مثل كل مكالماته العادية والدائمة والسريعة.. لتخلد روحك في سلام وطمأنينة، محفوفة بأجنحة طيور خُضر نحو جنات النعيم، عملت.. وعملت ونمت أيها الرجل النبيل.