بقلم - ناصر الظاهري
جالت عيناي بسرعة على المقاعد الشاغرة، وجود حزمة من الجرائد والمجلات وصينية مكسرات، ساعدني على اتخاذ القرار، جلست.. وأول شيء كنت أريد أن أطلبه «غرشة كولا» باردة، فقلت: عيب، ودّر عنك طبعك الطفولي، وشغل الحارة القديمة، فقلت للمضيفة، مبتسماً بجفاف: ممكن ماء فاتر، بدرجة حرارة الغرفة من فضلك!
تزعمت ذلك الماء الفاتر على أساس أني دائماً ما أتبع حمية غذائية كعادة الأثرياء، ولا أحب أن أخبّص في الأكل، ثم المحافظة على سلامة الشُعب الهوائية، أمر ضروري، بدأت أتصفح الصحف الإنجليزية، على أساس اللغة، ما يميز الطائرات الخاصة أنك لن تسمع تلك الأسطوانة المكررة لاتباع إجراءات السلامة، والتي عادة لا ينصت لها المسافرون، ويشكّون كثيراً في قدرتها على إنقاذهم ساعة الخطر، والمضيفون يقومون بها أمامهم بفتور واضح، كان عرضاً موجزاً من قبل «الكابتن» عن الارتفاع، والمسافة، والسرعة بالأميال التي لا أفقه فيها شيئاً، لكنها حظيت بهزات من رأسي مراراً، حلقت بي الطائرة لأول مرة في حياتي وحيداً، لدرجة شعرت فيها بالوحشة، لكن المضيفة الرشيقة، والتي لا تضطر لقطع أمتار كثيرة، هي كراسي معدودة، ومذهبة، وغير جالبة للملل، والخدمة الراقية واضحة، وأسفت كثيراً حين أبصرت قائمة الطعام، وتمنيت لو أنني لم أتريق نهارها، قضيت الساعات بين تصفح مجلات لا تعني لي شيئاً، خاصة باليخوت، ومقابلة الكمبيوتر، موحياً للآخر أنني أراجع دراسات جدوى ورسوماً بيانية، كانت المضيفة مهتمة، وتسأل كل ربع ساعة، كنت أبادلها الحديث مع قهوة «اسبريسو، سنكل شات»، وأحكي لها عن شغفي بمدن العالم، مع احتساء ماء غازي، تعافه النفس، لكنه ضروري الآن، تحدثنا عن خطوط الموضة في خريف وشتاء هذا العام مع حبتين شوكولا سويسرية، وإذا بالساعات تنقضي سريعاً، وكأنك لم تركب طائرة، في الأسفار العادية يسدنا تعب المطارات فقط، حلّت الطائرة في مطار نابولي، ونزلت بذلك الطقم الأبيض الرياضي الإيطالي، والذي تبدو علامته التجارية واضحة للعيان، بحيث أن أول من سيستقبلك، سيقول: هم.. دائماً هكذا لا يرتدون إلا الأشياء المريحة، والمميزة، بحيث لو لبسها فقير فسيخرب شكلها، نزلت وقلت لن أتلفت يمنة أو يسرة، وكأني مثل ذلك الشخص قبل عشرين سنة حين نزل مطار ليوناردو دافنشي في روما، ولا يعرف أحداً، كانت نظرة للأمام، ومليئة بالثقة التي يمكن أن يهزها أي خطأ، لكن فوج من النساء العاملات في المطار، كان في استقبالي، بحيث خفت على جواز سفري من الضياع بين أيديهن، حفّت بي المستقبلات، وأنا أتعمد الحديث معهن بهدوء، وبنبرة واضحة، لكنني أستطيع أن ألتقط ما يقوله بعض المسافرين العابرين، والعاملين الذين رأوني أنزل وحدي من الطائرة، بعضهم شك أني مهرب عتيد أو لي بتجارة السلاح، وبعضهم اعتقد أنني آتٍ لنابولي ليومين لخوض مباراة غولف!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد