بقلم : ناصر الظاهري
طزيارة قبور ومنازل العباقرة والمشاهير في مختلف العلوم والمعارف الإنسانية في مدن العالم المختلفة، تزودك بطاقة إيجابية.. قد لا تكون متوافقاً معه، وربما لا تحمل له حباً، غير أنه واجب الاحترام والتقدير، وثق أنك ستخرج بعدها بشيء من المعرفة، وبكثير من التساؤلات بشأن الأيام والحياة وأحوالها، وكيف تتغير القراءات من زمن إلى زمن للشخص نفسه، ومن كان محقوراً ومذموماً بالأمس، اليوم محمود..
ابن سيناء تتنازعه طاجيكستان وأوزبكستان وإيران، ففي ألفيته أقامت له إيران مقاماً كبيراً في مدينة «همدان»، ويكتبونه العالم الإيراني، بينما تماثيله وإرثه موزعة على تلك البلدان، حتى «أبو لؤلؤة المجوسي»، قاتل الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بذلك الخنجر الذي صنعه، وقال: «سيسمع برحاها الناس والدنيا»، ورغم أن عمر رضي الله عنه، منع التمثيل به أو الانتقام من أهله، لكنه قتل ورميت عظامه في المدينة المنورة، الإيرانيون يحتفون به، ويمجدونه فقد أقاموا له نصباً كبيراً، ويعدونه من الرجال البررة، ويترحمون عليه، ويتبركون بمقامه.
«البخاري» طُرد من مدينته بخارى التي ينتسب لها، وتوفي في سمرقند، والآن تتنازع المدينتان فضل الانتماء لهذا العالم الجليل، ومقامه في سمرقند يكتظ بالزائرين والمصلين وطالبي الدعاء.
«زرياب» فرّ هارباً إثر ليل حالك من بغداد بعدما ضاق صدر المعلم «الموصلي» بنباهة تلميذه، وحين تحركت غيرة المعلم من نجابة الطالب، فشعر الموسيقار الفنان، وواضع أول «إتكيت» لموائد الطعام في الدنيا أن مؤامرة تحاك ضد اغتيال موهبته، فقطع البوادي والجبال والبحار للوصول إلى الأندلس، فجحدته الأولى، وفتحت أذرعها له الثانية.
«الفارابي» هذا المعلم الثاني هو من مدينة «فاراب» في «كازاخستان»، وتوفي في دمشق، تتنازع عليه إيران معتبرة أنها موطنه الأول، «الخوارزمي» صاحب الجبر، موطنه اليوم ما يسمى أوزبكستان، وتوفي في بغداد، وكل العالم يتقاتل ليته من بلد كل واحد، فقد اخترع الجبر الذي يسيّر علوم العالم اليوم.
كثيرون هم الذين ضيعتهم مدنهم في الحياة، واحتفت بهم مدن أخرى، واليوم يتنازعون عليهم، لأنهم عرفوا حقيقة قيمتهم التاريخية، «كارل ماركس» ولد في مدينة «ترير» الألمانية، لكن لندن تحتضن قبره في مقابر «هاي غيت»، وحده «جنكيز خان» الذي ولد فوق جبال «خنتي»، وقبره ظل لغزاً بعد وفاته إثر سقوطه من على ظهر حصانه، حتى كشفت الصين عن مباني قبر عظيم في منغوليا، أما قبر «تيمور لنك» الموجود في مدينة سمرقند، فقد ظل مدة خمسة قرون مكاناً مَهيباً يعد روعة معمارية، يسمى «بكور أمير» حتى أمر «ستالين» بنبش ذاك القبر.