بقلم - ناصر الظاهري
من الأمور التي يكتب عنها في الأسفار وجود النصابين والسرّاقين والنشالين، حيث بإمكان واحد من هؤلاء أن يخربط برنامج أسرة وصلت للتو لتلك المدينة، نتيجة غفلة من الأب أو لكثرة تذمر الأولاد، وصراخهم، وإصرارهم على طلباتهم، وإما تكون الزوجة المصون لاهية وساهية، وأرادت أن تتباهى في أول يوم لوصولها بمقتنياتها وممتلكاتها، ولم تبال بمن كان يتبعها أو صدّقت تلك المدعية التي كانت تشتكي ساعتها من أوجاع الدنيا ومن العوز، بمناداتها بألقاب ونعوت أطربتها، ففتحت حقيبتها، فإذا بالتي كانت تئن، وتشتكي الأوجاع، يدب في أوصالها دم جديد بعد رؤية تلك الأوراق المالية في تلك الحقيبة، وفي لمحة بصر، غابت مثل العدائين الأولمبيين ومعها شنطة الزوجة المحسنة. حتى الحج، وفي بيت الله تجد مثل هؤلاء المتربصين بأموال الآخرين، فيغافلون، ويحتكون وسط الزحام، ويتلسلسون أحزمة الحجاج وجيوب المعتمرين، لقد شاهدت حوادث كثيرة في مدن كثيرة، لأن بعض الناس يكونون من السذاجة بحيث ما أن تقع عليه العين حتى تقول: هذا مشروع سرقة قريبة، وسيربك نفسه وأهله، ويربك سفارة بلاده، وكذلك النشالون سيماؤهم في أطراف أصابعهم، تجد الواحد أصابعه مثل أصابع عازف بيانو، أما عيناه فلا توحيان لك بكثير ثقة، ويمكنك أن تميز حتى بين النشال المحترف، والنشال الرخيص، والنشال المتدرب، ولقد تعرضت شخصياً لحوادث مماثلة من نشالين فاشلين، ولصوص سيئي الحظ، وبعضهم تشفق عليه في النهاية وتمد له بما طابت به يدك، لا ما كانت ستطاله يده، لكن نشالاً واحداً مثل البرق، وحده من استطاع أن يغلبني، ويأخذ ما يريد، فقد كان نشالاً، وذا عدوانية، ولا يعنيه معنى الشفقة والرفق، فقد كنت مرة في سفرة إلى إندونيسيا، وشعرت يومها بأنني مهزوم بعدما تعرضت لسرقة من نشال صغير، كفه بحجم الجرذ، كان يسكن في باحة معبد «أولو واتو» أو الصخرة الأمامية على شواطئ المحيط الهندي، كما يستدل من موقعه ومعناه، ورغم التحذيرات الأولية من مثل هؤلاء النشالين الذين يتكاثرون في ذاك المكان، والمدربين على سرقة السياح المشدوهين بروعة المكان، وجمال الطبيعة، وسحر إندونيسيا، ورغم احتياطاتي الشخصية على مدى سنوات طويلة من الأسفار، خرج منها النشالون يعدون مكاسبهم مني بالأصفار، لمناعات جيوبي شبه الخالية، وحذري الدائم مع تحريك العينين بشكل بانورامي، وتلفت باستمرار حتى يشعر النشالون أن شخصاً جديداً دخل كار عملهم فجأة، ويريد أن ينافسهم في رزقهم غير الحلال، ثم إن هناك جيباً سرياً مخبأ في مكان فيه ضروريات البقاء حياً وشريفاً ومحترماً لأيام ثلاثة متتالية، أحرص أن يكون بمأمن من أي غارة أو هجوم مباغت، إلا أن هذا النشال الصغير قدر أن يخطف أغلى شيء عندي، وهو يساوي نظر عيني.. وغداً نكمل
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن صحيفة الاتحاد