تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

تتفكر العجوزتان في نميمتهما الصامتة، كيف كان ذاك الرجل المار اليوم بشيخوخته قبل أن تخذله الزوجة بأثقالها، تاركة بابه بلا أقفال، كيف أخرست ضحكته في صدره، وتغيرت الأحوال، بيوت بيضاء على اسم بحرها، بشابيك وأبواب زرقاء هي الحياة، بعيداً عن الرماد، ولون الإسمنت الخديج، تسافر لها لتكتحل عيناك، ولا تقول كفى.
وحين تدخل باريس تجد تلك العمارات المقاومة، بطرازها، ومعمارها، وحجرها، ولونها الذاهب في صفرة الشمس المحترقة، شرفات من وقت، ومن ورد، وشجر يليق بسيدات المكان، إن مررن خريفاً تحتها غنت نشيد الورق اليابس المصفر الذاهب مع الريح الباردة، وإن تفيأن ظلها في صيف زاغ نسيمها ثياب الكتان والقطن المهلهل، هناك حديد مشغول على الشرفات، وفي البوابة الكبيرة التي تمرر سرقة العين ونظرها لفناء المنزل، والأسود يزينها بالوقار، والذهبي يتوجها بتلك الأبهة الملكية، لا إسمنت ظاهر منذ أن خطط «هوسمان» باريسه الجديدة والمتجددة، لا لون يميل للعسكر هنا، لا لون يوحي بعزلة المصانع، هنا الحياة الدافئة، وفقط.
تنفر من بيوت لندن القاتمة، والجالبة للغم في صباح لا تريده أن يكون هكذا، من بيوت بعض المدن الألمانية التي تشبه المستودعات، وبيوت عمال السفن غير الماكثين، تشعرك أن فيها رطوبة مستديمة، وروائح لحم مجفف، أين منها مدن الأندلس بأزقتها الضيقة، وألوانها التي ما زالت تشرق بعافية ناسها؟ بتلك الياسمينة التي تستند لوحدها عند الباب، شجرة «مندرين» تلوّح برأسها وجدائلها المثمرة، راسلة لأنفك رائحة قشر البرتقال، وزهر الليمون، أين منها مدن إيطالية مثل فلورنسا مثلاً، توسكاني، وقرى على الحدود المشتركة مع سويسرا وبحيراتها مثلاً؟ هناك العين يجلى بصرها، ويحتد نظرها، لا قذى يصيبها، ولا رمد من لون الرماد يؤذيها، هي والأخضر والسكينة، والماء الجاري، وبيوت تتعمم بالقرميد، منشدة قطر السماء أو غزل الثلج ليغني وحده على سطحها، مثل مدن الثلج ببيوتاتها الخشبية المتصالقة مع الشمس الخجولة، ونوافذها المتعامدة التي تتخبأ عن الريح المباغتة، تريد أن ترفع أعناقها فرحة بالثلج، لا شيء يمكن أن يمنع الشتاء هناك بألا يرسم لوحته كما يشاء، تاركاً حتى الأشجار تخرج من إطار اللوحة بعمائمها البيضاء المثقلة، لا شيء أحب من الخشب والحجر، وألوانه التي تأتي بالدفء، وتخزّن بهجة للعين، لا شيء يفرح الثلج وندفه المتهاملة مثل موقد قديم يتهامس فيه الخشب مع النار، وتسمع لحديثهما تلك الطقطقة الحطبية.
أنا هارب دائماً من الإسمنت، واللون المكتئب، فرحتي ببيوت المدر والطين، وذلك اللون الترابي المنزوع من باطن المدن، في مراكش والبصرة والعين ومطماطة، في مدن مكسوة بتلك الغبرة التاريخية كصنعاء والقيروان، في الصحراء الكبرى وواحاتها، حيث اللون لون تربتها فقط، في المدن التي اكتحلت بالتاريخ، دائماً ما يغيب الإسمنت لأنه يعميها بلونه المتثائب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates