تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة.. وحقيبة سفر -1

تذكرة.. وحقيبة سفر -1

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

بقلم : ناصر الظاهري

أوروبا هي الوحيدة الجميلة صيفاً وشتاء، إن زرتها صيفاً بحافلة سياحية أو أخذت ذلك المركب في رحلة نهرية عبر مدنها أو تنقلت عبر مطاراتها الفندقية مباغتاً شتاءها الأبيض الذي يفرض سحره على النفوس، والمدن والنَّاس الماكثين أو العابرين، ثمة جمال من نور الأبيض يغشى الأمكنة في أوروبا، ويمنحها نهاراً من نوع آخر، وإن كانت الأشجار عارية، منتظرة أن يكسوها بثلجه القطني، إلا أنها تخبئ فرحها، والأجساد تبقى متدثرة منتظرة بهجة الخروج، حينما يسمح ذلك «الجنرال» الأبيض بخروج الدفء، وتلك الحميمية التي تقرّب الناس، والنفوس، هي أغنية الشتاء البيضاء.

بعض المدن وحدها من يليق بها الدثار الشتوي الأبيض، مانحة العشاق رائحة احتراق الحطب في المواقد، وشواء الكستناء، وما تعتق في أقبيتها الحجرية، تظل متلهفة نزول ندف الثلج في بداية مشواره المتراقص بين السماء والأرض، وأينما يشتهي أن يمكث في الأمكنة، يبقى المقعد الخشبي في الحديقة العامة مهجوراً، يتذكر شاعراً مر من هنا، وجلس يهدهد قصيدته لتنام، يظل يتذكر في بياته الشتوي عاشقين عجلين، يريدان أن ينهيا كل شيء بعجل، ويتركا ضحكاتهما، وأغنية كانا يتبادلان سماعها تؤنس المكان، لكنه في وحدته الشتوية يستقبل فجأة القطن المائي، ويلونه بالأبيض، فيفرح بمداعبة الشتاء وما ينثر من خيراته البيضاء.
لبعض من المدن وحدها جلال الشتاء، فتكون زاهية، وإن كانت الملابس تثقل أنوثة نسائها، وتجعلهن متشابهات كعاملات في مصنع للبلاستيك، وثمة كآبة تحلّ على محلات الصيف البحرية العارية أو تلك التي تحب أن تظل مكشوفة لمن يرتادها، وحدها المقاهي التي تحتل الأرصفة يمكنها أن تعطي لكل فصل رقصته، ففي صيفها تتمدد على الأرصفة الحجرية، وتلاقي زبائنها من بعيد، وفي شتائها تختزن الدفء، ورائحة القهوة الساخنة، وإن كان هناك شيء من مطر، فكل نوافذها عيون، وكلها ذاهبة نحو تلك الالتماعة التي تبرق كخد واحدة نعشقها.. وننسى، ثم نتذكر بقوة أننا فعلاً نعشقها ولا ندري.
ما يصنع الثلج بالناس في فرح أيامه، فجأة يجلب الحيوية معه، وكأن شيئاً نثر على الناس فيه طاقة من خير وحبور، ويتذكر كل شخص الطفل الذي فيه، والذي لا يعني شيئاً آخر غير الفرح وصبيانية الأمور، الثلج يذكرّ الماكثين أو العابرين بمكانهم الأول، حينما كان يحلّ الشتاء أو حين يتبعه ثلج أو مطر، فالجبل له هيبته في الشتاء، وحين يثلج، ولأهل البحر شتاؤهم الهادر مع تلاطم الموج الذي يتكسر عند حافة صخورهم الصلدة، ولأهل الصحراء شتاؤهم الذي يكسر العظم، ومطرهم باعث الحياة.. كيفما كان الشتاء فهو شيخ جليل، له مهابته، وله كل هذا الحضور، وإن غاب فرض تذكره في عواصم أوروبية دافئة بنفسها ومن نفسها، هي نظرة الغريب، وعاشق الأسفار، وصديق المدن غير المتعالية.. وغداً نكمل..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates